ابراهيم العجلوني
تقمّص الشاعر المتنبي «العروبة» توسّلاً الى ما يطمح اليه, سواء أكان مالاً أم جاهاً أم «ولاية». وذهب يتخذ الشعر سلّماً الى مجده الذاتي, فلما مني بخيبات آماله المتتابعة, غادر أفقه العروبي, وهرع بآماله الى البلاط البويهي (الفارسي) في (أرجان) وقال في أبي الفضل ابن العميد ما لم يقله في ممدوحيه العرب مثل أبي العشائر وسيف الدولة وغيرهما, فكان من ذلك قوله:لنا مذهب العبّاد في ترك غيرهوإتيانه نبغي الرغائب بالزهدرجونا الذي يرجون في كل جنةبأرجان حتى ما يئسنا من الخلدوكان من ذلك قوله في اشارة واضحة الى سيف الدولة:وقد رأيت الملوك قاطبةوسرت حتى رأيت مولاهاوكان منه قوله في اشارة اخرى الى سيف الدولة:فلا تغرنّك الامارة فيغير أمير وإن بها باهىفإنما الملك ربّ مملكةقد أفعم الخافقين ريّاهابل انه ليذهب مذهباً عجباً في «تأليه» عضد الدولة البويهي الفارسي حتى ليقول فيه (ناسياً ما كان قاله من قبل بأنه لا تفلح عرب ملوكها عجم):الناس كالعابدين آلهةوعبده كالموحّد اللّهاوغير خاف هنا أن الشاعر الذي تقمّص العروبة قد انتهى به طموحه الى ان يرتضي ان يكون عبداً للبويهي أو تابعاً له ذليلاً. وذلك ما نرى شواهد معاصرة مثيلة له وما لا ينقضي عجبنا منه ومما يكون من عقابيله.* * *خلاصة ما نرمي اليه من هذه الوقفة مع الشاعر «العروبي» الذي اصبح ذاهلاً عن ذاته وصفاته في البلاط البويهي, ونسي في «أرجان» دمشق والبصرة والكوفة أن على دارسي المتنبي أن يعيدوا قراءته في ضوء أشعاره في البويهيين, وأن يروا الى «مفتاح شخصيته» من حيث هو مغامر طموح اتخذ العبقرية الادبية ذريعة الى غاياته, وأن لا يستغربوا, قياساً على ذلك, ما تتمثّله سياسات بعض العرب اليوم من هذا الانموذج الاخلاقي الذي تغيّبه الدعاوى زمناً ثم ينكشف للناظرين.hgvHd


