أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة جاهات واعراس مستثمرون شهادة الموقف مناسبات جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

البستنجي يكتب: التعلّم القيمي والمهاري المتقدّم.. بوّابة تعليم يصنع الإنسان ويجسّد القيم في الواقع


إياد يوسف البستنجي

البستنجي يكتب: التعلّم القيمي والمهاري المتقدّم.. بوّابة تعليم يصنع الإنسان ويجسّد القيم في الواقع

مدار الساعة ـ

سلسلة مقالات بداية العام الدراسي الجديد.

المرحلة الخامسة :

الابتكار التربوي واستراتيجيات القيادة الصفّية في القرن 21)

المقال الثاني:

التعلّم القيمي والمهاري المتقدّم: بوّابة تعليم يصنع الإنسان ويجسّد القيم في الواقع.

لم يعد التعليم في القرن الحادي والعشرين مجرد تلقين للمعلومات، بل مشروعًا متكاملًا لبناء الإنسان، مشروعًا يربط المعرفة بالقيم، والمحتوى بالمهارة، والدرس بالحياة. فالطالب لا يحتاج إلى معلومة يحفظها بقدر حاجته إلى قيمة يعيشها، ومهارة يمارسها، ومعنى يتحرك من خلاله.

وقد بيّنت دراسة OECD 2023 أن دمج القيم والمهارات في الممارسات الصفية يؤدي إلى:

زيادة مشاركة الطلاب بنسبة 25%

ارتفاع التحصيل الأكاديمي

تحسّن الالتزام السلوكي داخل الصف وخارجه

وهو ما يعزز أهمية الانتقال من تعليم المعرفة المجردة إلى تعليم القيم والسلوك والمهارات.

أولًا: مفهوم التعلّم القيمي والمهاري المتقدّم

هو نموذج تربوي يدمج الأبعاد المعرفية والقيمية والمهارية داخل موقف تعليمي واحد، بحيث يتحوّل الدرس إلى تجربة شاملة للعقل والقلب والسلوك.

يرتكز هذا النموذج على ثلاثة محاور رئيسة:

1. دمج القيم الأخلاقية

مثل:

المسؤولية – التعاون – النزاهة – التعاطف – احترام الآخر – العدل.

تنتقل القيم هنا من حديث إلى ممارسة يومية عبر الأنشطة والمواقف.

2. تنمية المهارات العملية والحياتية

التفكير النقدي – الإبداع – حل المشكلات – التنظيم الذاتي – التواصل – العمل الجماعي.

3. التطبيق الحقيقي للمعرفة والقيم

تحويل الدرس إلى خبرة واقعية تترجم القيم والمهارات داخل الصف وخارجه.

الهدف النهائي:

إعداد متعلّم قادر على اتخاذ قرارات مسؤولة، والتصرف بوعي، والتفاعل الإيجابي مع مجتمعه.

ثانيًا: استراتيجيات عملية لتطبيق التعلّم القيمي والمهاري

فيما يلي أبرز الاستراتيجيات المناسبة للمعلمين في البيئة الصفية التقليدية والرقمية:

1. دمج القيم في الأنشطة اليومية

من خلال:

رواية قصة قصيرة مرتبطة بالدرس

تحليل موقف حياتي

نقاش موجّه بأسئلة مفتوحة

معالجة سلوك صفّي بطريقة تربوية تشاركية

هذه الممارسات تنمّي لدى الطلاب التفكير النقدي واحترام الرأي المختلف.

مثال تطبيقي:

درس عن ( التعاون ) يتضمّن قصة قصيرة، يعقبها نقاش حول كيفية تطبيق هذه القيمة في نشاط جماعي داخل الصف.

2. مشاريع صفية قائمة على المهارات

تركّز على العمل الجماعي، تحمل المسؤولية، والتواصل الفعّال.

مثل:

إعداد عرض تفاعلي عبر Padlet أو Canva.

تنفيذ مشروع يخدم البيئة المدرسية أو المجتمع المحلي.

مبادرة لدعم زملاء يواجهون صعوبات تعليمية.

هذه المشاريع تعزز الالتزام والسلوك الإيجابي والانتماء.

3. التعلّم القائم على التفكير النقدي

من خلال:

أسئلة تفكيرية مفتوحة

تحليل مشكلات حياتية

دراسة حالة (Case Study)

مقارنة مواقف وسلوكيات لبيان قيمة معيّنة

الفائدة:

يدرك الطالب القيم بوصفها اختيارات ومسؤوليات وليست مفاهيم نظرية.

4. التغذية الراجعة البنّاءة

وتعد عنصرًا محوريًا لأنها تربط السلوك بالمهارة، وتوجه الطالب نحو التحسن.

تركّز على:

تعديل السلوك

تعزيز المهارة

بناء المسؤولية الذاتية

رفع الوعي القيمي

مثال تطبيقي:

بعد مشروع جماعي، يقدّم المعلم تغذية راجعة حول:

احترام الأدوار

مهارات التواصل

تحمل المسؤولية

جودة الإنجاز.

ثالثًا: أثر التعلّم القيمي والمهاري على الطلاب

عند تطبيق هذا النموذج يظهر عدد من الآثار الواضحة:

ارتفاع الدافعية والمشاركة

تحسّن السلوك الصفّي

نمو مهارات التفكير العليا

زيادة القدرة على العمل الجماعي

رفع مستوى الانضباط الذاتي

تعزيز المواطنة والمسؤولية الاجتماعية

بناء بيئة صفّية إيجابية في التعليم الحضوري والرقمي

وهكذا تتجاوز العملية التعليمية حدود “المعرفة المجردة” لتصبح رحلة لبناء إنسان يفكّر بوعي ويتصرف بقيم.

رابعًا: دور المعلم في قيادة التعلّم القيمي والمهاري

1. موجّه وملهم

يربط الدرس بالحياة والقيم، ويوجّه الطلاب نحو التطبيق الواقعي.

2. مصمّم تعلّم مبتكر

يبني أنشطة تتيح للطلاب الاكتشاف والتعاون والتفكير المتعمق.

3. مقيّم داعم

يوظّف أدوات تقييم متنوعة مثل Rubrics، ويربطها بالسلوك والقيم.

4. قدوة تربوية

يُجسّد القيم بممارساته اليومية، لأن الطالب يتعلّم من سلوك المعلّم قبل شرحه.

مثال عملي:

تقسيم الطلبة إلى مجموعات، توزيع أدوار واضحة، متابعة تقدّم العمل، تقديم تغذية راجعة تتعلق بالالتزام، التواصل، التعاون، جودة المنتج.

? التعلّم القيمي والمهاري المتقدّم ليس إضافة تربوية، بل هو جوهر التعليم الحديث.

فالمدرسة التي تربط المعرفة بالقيم، والمهارة بالسلوك، والمحتوى بالحياة، تبني إنسانًا قادرًا على اتخاذ القرار، وتحمل المسؤولية، وصناعة أثر في مجتمعه.

أما المعلم الذي يمارس هذا النموذج، فهو قائد تغيير، وصانع أثر، ومعمّر لجذور القيم في نفوس طلابه.

القاعدة الذهبية:

التعلّم القيمي والمهاري يصنع جيلًا واعيًا، مبدعًا، ومسؤولًا، قادرًا على بناء مستقبله وصناعة الفرق في مجتمعه ووطنه.

وبالتكامل بين التقويم البنائي والتعلّم القيمي والمهاري، نضع حجر الأساس لمدرسة المستقبل التي تُخرّج متعلمين يفكّرون بعمق، ويتصرفون بوعي، ويعيشون القيم بسلوك يومي أصيل.

مدار الساعة ـ