لطالما آمنتُ أن المدن ليست إسمنتًا يعلو فوق إسمنت، ولا طرقًا تتقاطع ولا أبنية ترتفع… المدن في جوهرها كائنات حيّة، تنبض بروح ناسها، وتكبر حين يكبر وعيهم، وتخبو حين يضعف إيمانهم بها. وعمّان - مدينتي التي أعرفها كما أعرف خطوط يدي — لم تكن يومًا مجرّد مكان؛ كانت ذاكرة، ونَفَسًا، ونبرةً دافئةً في القلب.
وبناءً على طلب عددٍ من الأصدقاء الذين رافقوني في نقاشات طويلة حول حال مدينتنا واتجاهاتها، أدركت أنّ الوقت قد حان لأضع بين أيديكم هذا الجهد الشخصي الذي امتدّ على سنوات، لأعبر عن رؤية لطالما صاحبتني في السفر وفي العودة… رؤية تتشكّل من التجربة، والملاحظة، والحبّ الصادق لمدينةٍ لم تفارقني لحظة، حتى وأنا على ارتفاع آلاف الأقدام فوقها.لقد كتبت خمسة فصول تمثّل خلاصة ما اختزنته ذاكرتي من تجاربي ومشاهداتي، وما حملته في قلبي من أمل وطموح:- الفصل الأول: عمّان - النشأة، الهوية، والواقع الحضري الراهن- الفصل الثاني: الواقع المؤسسي، التحديات، والرؤية لإعادة الهيكلة والإدارة- الفصل الثالث: التحول الرقمي - مدينة تُدار بالبيانات والتقنيات الحديثة- الفصل الرابع: التنمية المستدامة - من مدينة متعبة إلى عاصمة خضراء وصحية- الفصل الخامس: النهضة الاجتماعية والاقتصادية - من البطالة إلى اقتصاد الإبداعولأنني قضيت أكثر من أربعين عامًا في مجال الطيران المدني، أتنقّل بين مدن العالم شرقًا وغربًا، فقد رأيت بأمّ عيني كيف تتغير المدن عندما يتغيّر وعي أهلها، وكيف تتحوّل حين تتوافر لها الإدارة الرشيدة والإرادة الجماعية. رأيت مدنًا بدأت من الصفر، لكنها آمنت بنفسها حتى أصبحت نماذج يُحتذى بها. رأيت كيف يُمكن للتنظيم والدقّة - وهما الركيزتان اللتان بُنيت عليهما مهنتي - أن يغيّرا وجه مدينةٍ كاملة.وفي كلّ رحلة عودة، حين تقترب الطائرة من سماء عمّان، وتلوح جبالها التي كبرت معها، كانت تختلط مشاعري بين الأسى والإيمان:الأسى لأن عمّان لم تحظَ بعد بالمكانة التي تستحقها بين عواصم العالم، والإيمان لأنها تملك من الروح، والموقع، والتاريخ، والبشر ما يكفي لتنهض، بل لتتألّق.عمّان ليست مدينة عاديّة…هي قلب الأردن، وذاكرة الوطن، ومتحف مفتوح للكرم، وتاريخ من التنوع، وفسيفساء بشرية نادرة.ومن هنا، فإن هذه الورقة ليست مجرّد مشروع فكري، ولا محاولة تنظيرية؛ إنها رسالة وفاء لمدينةٍ قامت مقام الأمّ، رعت أبناءها، وسهرت على شوارعها، لكنها ما زالت تنتظر منا أن نردّ لها جميلها. أكتبها لا لأعرض حلمًا شخصيًا، بل لأضع بين أيديكم مشروعًا وطنيًا نابعًا من مكانٍ صادق في داخلي… من هذا الشعور الذي يجعل الإنسان يغار على مدينته كما يغار على بيته الأول.وأعترف - بكل تواضع - أنني لست مختصًا في التخطيط العمراني أو في علوم الإدارة، لكنني أمتلك ما لا يملكه كثيرٌ من المختصين:ذاكرة المكان، وشغف العمر، وخبرة الطواف بعواصم العالم، والقدرة على المقارنة بعينٍ عاشت التجربة لا الدرس فقط.لقد حفّزني الحنين، وربما الألم، وربما الغيرة النبيلة، لأن أُقدّم هذا العمل لا بوصفه نصًا جامدًا، بل كوثيقة حياة، كتأملٍ إنساني، كنداءٍ لمن يريد أن يسمع.وكلّ ما أريده اليوم - وأنا أبلغ عقدي السابع - ليس أكثر من أن أرى أولادي وأحفادي يعيشون في عمّانٍ مختلفة… عمّان أكثر عدلًا، أكثر ترتيبًا، أكثر نقاءً، عمّان تحفظ في قلوبهم ما حفظته في قلبي منذ طفولتي، وتمنحهم ما لم نحصل عليه نحن.لكن هذا الحلم لم يعد يخصّ عائلتي الصغيرة وحدها.لقد صار أكبر… أوسع… أعمق.فكل طفل في هذه المدينة هو ابني، وكل شاب فيها هو أملي، وكل امرأة فيها هي ركَنٌ من أعمدة نهضتها، وكل كهلٍ فيها هو ذاكرة تستحق الاحترام والاحتضان.نحن - بمختلف أعمارنا وأصولنا - أسرة واحدة، يجمعنا تراب عمّان، وتظلّلنا سماؤها، وتوحدنا محبتها التي لا تشبه محبة أي مدينة أخرى.إن هذه الرسالة موجّهة لمن يعيش في عمّان اليوم، ولمن سيولد فيها غدًا… لأول طفلٍ سيبصر النور تحت شمسها، ولآخر مسافرٍ سيجد فيها ملاذه.نكتب من أجل مدينة تستحق أن تكون مرآة لأحلام أبنائها، لا عبئًا على طموحاتهم.نريد عمّان التي تُشبه قلبها:مدينة ذكية تعانق المستقبل،وإنسانية تحفظ كرامة ناسها،وخضراء تُنعش هواءها وصدور سكانها،ومشرقة تفتح لهم أبواب الأمل والعمل.فهذه المدينة منحتنا الكثير - أكثر مما منحناها - وآن الأوان أن نبادلها الجميل، وأن نبذل من فكرنا ووعينا وإبداعنا ما يجعلها مدينة تليق بتاريخها، وتستحق المستقبل الذي ينتظرها… المستقبل الذي سنصنعه نحن، أو لن يكون.الفصل الأول: عمّان - النشأة، الهوية، والواقع الحضري الراهنتُعتبر عمّان واحدة من أقدم المدن المأهولة في التاريخ، فهي مدينة تمتد جذورها إلى أكثر من 7000 عام، وكانت موطنًا للحضارات العمونية والرومانية والإسلامية على التوالي.عرفت عبر التاريخ أسماء متعددة - أبرزها "ربّة عمّون" ثم "فيلادلفيا" - قبل أن تستعيد اسمها القديم الذي يحمل طابعها العربي والإسلامي والوطني مع تأسيس إمارة شرق الأردن عام 1921، لتصبح لاحقًا العاصمة السياسية والإدارية للمملكة الأردنية الهاشمية.اليوم، تتجاوز عمّان كونها مركزًا جغرافيًا؛ فهي قلب الدولة السياسي، ومركزها الاقتصادي، ونقطة توازنها الاجتماعي والثقافي.ومع ذلك، فإن هذا الثقل الحضري المتزايد جعلها تواجه تحديات معقّدة في التخطيط، والنقل، والإدارة، والبيئة، والخدمات، مما يدفع الحاجة إلى إعادة النظر في بنائها الإداري وهويتها المستقبلية.1- الموقع الجغرافي والخصائص المناخيةتقع مدينة عمّان في منطقة جبلية بارتفاع يتراوح بين 700 و1100 متر عن سطح البحر، تمتاز بمناخٍ متوسطي معتدل، فصيفها جافٌّ دافئ وشتاؤها بارد ممطر، مما جعلها وجهةً مناسبةً للسكن وللسياحة المحلية والإقليمية.تحيط بها من الشرق السهول الممتدة نحو الصحراء الأردنية، ومن الغرب جبال البلقاء، وهو موقع يمنحها بعدًا طبيعيًا استراتيجيًا بين الهضاب والوديان.هذا التنوع الجغرافي منح عمّان هوية عمرانية فريدة، لكنّه في الوقت نفسه خلق تحديات في البنية التحتية، خصوصًا في النقل والطرق وشبكات المياه، إذ تتطلّب تضاريسها المرتفعة حلولًا هندسية مكلفة ومعقدة.2- النمو السكاني والديموغرافيتشير الإحصاءات الرسمية لعام 2024 إلى أن عدد سكان الأردن يبلغ نحو 11.6 مليون نسمة، يعيش منهم أكثر من 4.5 مليون نسمة في محافظة عمّان وحدها، أي ما يقارب 42% من سكان المملكة.يتوزّع سكّان عمّان على اثنتين وعشرين منطقة بلدية تتبع لأمانة عمّان الكبرى، وتشمل كلًّا من: منطقة المدينة، والبسّمان، وماركا، والمقابلين وأمّ قصير، ووادي السير، وتلاع العلي وأمّ السمّاق وخالدة، والنصر، وشفا بدران، وبدر، وبدر الجديدة، ورأس العين، والزهران، والجبيهة، وأبو نصير، واليرموك، وخريبة السوق، والموقّر، ومرج الحمّام، والجامعة، والطارق، إضافةً إلى منطقتي صويلح وعبدون، لتشكّل جميعها النسيج العمراني والاجتماعي الذي تتكوّن منه العاصمة عمّان.وتتميز العاصمة بتركيبة سكانية شابة، إذ تُشكّل الفئة العمرية بين 15 و29 عامًا حوالي 28% من السكان، بينما تمثل الفئة التي تقل أعمارها عن 15 سنة نحو 34%، ما يعني أن أكثر من ثلثي سكان عمّان هم من الشباب والأطفال.وفي المقابل، لا تتجاوز نسبة من هم فوق 60 عامًا 7%، ما يعكس مجتمعًا فتيًّا بحاجة إلى استثماراتٍ ضخمة في التعليم والتدريب وفرص العمل.هذا النمو السريع خلق ضغطًا هائلًا على الخدمات العامة، والمياه، والنقل، والبنية التحتية، وأدى إلى توسّع عمراني أفقي غير منضبط تجاوز حدود التنظيم المقرّرة، ما جعل بعض المناطق تعاني من ضعف الخدمات والازدحام والتلوث البصري.3- البنية الاقتصادية لعمانتمثل عمّان مركز الاقتصاد الوطني الأردني بلا منازع.فهي تضم المقرات الرئيسية للبنوك والشركات الكبرى، والمناطق التجارية والصناعية الرئيسة، مثل سحاب والقسطل وماركا الصناعية، إضافة إلى كونها محور النقل الداخلي والخارجي عبر مطار الملكة علياء الدولي.لكن في مقابل هذه القوة الاقتصادية، تواجه المدينة تحديات متزايدة:- ارتفاع معدلات البطالة خصوصًا بين الشباب الجامعي، إذ تبلغ نسبة البطالة العامة نحو 21%.- الاعتماد المفرط على القطاعات الخدمية (المصارف، التجارة، السياحة) دون تطوير حقيقي في الصناعات التحويلية أو الابتكارية.- نقص الاستثمارات البلدية المنتجة، مما يجعل أمانة عمّان تعتمد بشكل أساسي على الرسوم والغرامات بدلًا من عوائد مشاريع إنتاجية طويلة الأجل.وهذا يوضح الخلل في النموذج المالي القائم على الإنفاق التشغيلي لا الاستثمار التنموي.4- الواقع الخدمي والإداريتُعدّ أمانة عمّان الكبرى الجهاز التنفيذي والإداري المسؤول عن تنظيم المدينة وتقديم الخدمات العامة مثل النظافة، النقل، الرخص، التخطيط، والبيئة.لكنّها تعاني منذ سنوات من عدد من الإشكالات البنيوية:- تضخم إداري: تعدد المديريات والدوائر دون وضوحٍ كافٍ في المهام أو التنسيق.- ضعف الشفافية والمساءلة في بعض الملفات، مما قلل من ثقة المواطن بالأداء العام.- غياب التكامل المؤسسي بين الأمانة ووزارات أخرى كالنقل والبيئة والإسكان.- بيروقراطية في الخدمات رغم بدء التحول الرقمي.- غياب التخطيط بعيد المدى مقابل معالجة المشكلات بشكل مؤقت أو تجميلي.وفي المقابل، لا يمكن إنكار بعض التطورات الإيجابية في السنوات الأخيرة، مثل إطلاق مشروع الباص السريع، وإطلاق منصة عمان الرقمية، وتحسين بعض المساحات العامة.لكن التحدي الأكبر ما زال في غياب الرؤية الموحّدة لِما يجب أن تكون عليه العاصمة بحلول 2030 وما بعده.5- المشكلات الحضرية الأساسية- الازدحام المروري: بسبب محدودية النقل العام واعتماد 90% من السكان على المركبات الخاصة.- ضعف المساحات الخضراء: نصيب الفرد لا يتجاوز 2.5 م²، بينما توصي منظمة الصحة العالمية بـ10 م² على الأقل.- التلوث البصري والعشوائية العمرانية نتيجة الإعلانات، والتمديدات الكهربائية، وفوضى الأبنية.- النفايات الصلبة: إنتاج المدينة اليومي يتجاوز 3500 طنّ من النفايات، ومعالجة جزء كبير منها ما زال يعتمد على الطمر التقليدي.- نقص العدالة المكانية بين شرق عمّان وغربها في الخدمات والتعليم والصحة.6- المجتمع المدني والثقافة الحضريةعمّان ليست مجرد مدينة إسمنت وحديد، بل فضاء ثقافي متنوع.فيها الجامعات الكبرى (الأردنية، التطبيقية، الألمانية الأردنية...)، والمراكز الثقافية، والمهرجانات الفنية، لكن الحاجة ماسة لربط الثقافة بالتنمية.إن المدينة الذكية ليست فقط في شبكاتها الرقمية، بل في وعي سكانها وتفاعلهم المدني.يُظهر تقرير التنمية البشرية لعام 2023 أن أكثر من 60% من سكان العاصمة مستعدون للمشاركة في مبادراتٍ تطوعية لو أُتيحت لهم الفرصة. لكن غياب المنصّات الرسمية وضعف التنسيق بين الأمانة والمؤسسات الأهلية يحدّ من هذا الحماس الشعبي.خلاصة الفصل الأولعمّان اليوم تقف على مفترق طرقٍ حاسم: إمّا أن تبقى أسيرة الازدحام الإداري والعمراني، أو تنطلق نحو نموذجٍ جديدٍ من الإدارة الذكية والحوكمة المستدامة.هي مدينة تحمل في داخلها مقوّمات التقدّم وروح التاريخ في آنٍ واحد، لكنها بحاجة إلى إعادة تنظيم شاملة على المستويات: الإدارية، المالية، البيئية، والتعليمية.ولكي تتحول من مدينة متعبةٍ بتناقضاتها إلى عاصمة نموذجية في المنطقة، يجب أن تبدأ أولاً بإعادة هيكلة أمانة عمّان الكبرى لتصبح مؤسسةً فاعلةً ومنتجة، تعتمد على البيانات والشفافية والمشاركة المجتمعية في صنع القرار.الفصل الثاني: الواقع المؤسسي، التحديات، والرؤية للهيكلة والإدارةحين نتحدث عن مستقبل عمّان، لا يمكننا تجاوز المؤسسة التي تُدير شؤونها اليومية وتوجّه نموّها العمراني والاقتصادي والثقافي: أمانة عمّان الكبرى.فهي الجهاز التنفيذي والإداري المسؤول عن تنظيم العاصمة، وهي التي تمسك بخيوط الحياة الحضرية في مجالاتٍ شتى: الطرق، النقل، النظافة، الرخص، الحدائق، البيئة، الاستثمار، والتخطيط العمراني.لكن المفارقة أن هذه المؤسسة، التي أُنشئت لتكون قلب المدينة الإداري والتنظيمي، أصبحت في كثيرٍ من الأحيان أثقل من أن تتحرك بسرعة، وأضعف من أن تستجيب بمرونة.ومع أنّ الأمانة تمتلك كفاءات بشرية وتقنية كبيرة، إلا أن غياب الرؤية الموحدة ووضوح الصلاحيات والهيكلة الحديثة جعلها تواجه أزمة هوية وظيفية بين كونها جهاز خدمة محلي وبين كونها مؤسسة تنموية قيادية للعاصمة.1- لمحة عن النشأة والتطور الإداريتأسست أمانة عمّان الكبرى بصورتها الحديثة عام 1987 بعد أن كانت بلدية عمّان منذ أوائل القرن العشرين. وفي العام 2000، صدر نظام الأمانة رقم (52) الذي منحها صلاحيات موسّعة تشمل 22 منطقة بلدية تمتد على مساحة تقارب 800 كيلومتر مربع.تطورت مهامها لاحقًا لتشمل خدماتٍ نوعية مثل النقل العام، إدارة النفايات الصلبة، الترخيص، الرقابة، والمشاريع الاستثمارية.ويبلغ عدد موظفيها اليوم أكثر من 20 ألف موظف وعامل موزعين على مديرياتٍ ودوائر متعددة.لكن رغم هذا الحجم الكبير من الموارد البشرية، فإن مخرجات الأداء لا تتناسب مع حجم الكادر والميزانية التشغيلية التي تتجاوز 400 مليون دينار سنويًا، مما يشير إلى خللٍ هيكليٍّ واضح في توزيع المهام والكفاءة الإدارية.2- الواقع الإداري: التحديات البنيوية داخل الأمانة- التضخم البيروقراطي وضعف التنسيقتتكوّن الأمانة من عشرات المديريات والإدارات (النقل، التنظيم، الخدمات، الرقابة، البيئة، الاستثمار، المالية...)، وغالبًا ما تعمل كل مديرية بمعزلٍ عن الأخرى.ويؤدي ذلك إلى تكرار القرارات، تضارب الصلاحيات، وتأخير الإجراءات، خصوصًا في المشاريع المشتركة مثل الطرق أو الأسواق أو النقل العام.- غياب إدارة الأداء والمساءلةحتى الآن لا يوجد نظام تقييم مؤسسي متكامل يُربط فيه الإنجاز بالمكافأة أو التقصير بالمحاسبة.فتُنجز المشاريع دون متابعة أثرها على المواطن أو البيئة أو الاقتصاد.كما أن بعض القرارات تُتخذ بطريقةٍ فردية أكثر منها مؤسسية، مما يقلل من الفاعلية والشفافية.- ضعف التحول الرقمي الحقيقيرغم إطلاق منصة “أمانة عمّان الرقمية”، فإن معظم الخدمات ما زالت تتطلب مراجعة مكاتب الأمانة، وطباعة الأوراق، وانتظار التوقيعات.التحول الرقمي لم يُترجم بعد إلى منظومة إدارة رقمية متكاملة تربط كل الإدارات والمناطق، كما هو الحال في المدن الذكية الحديثة مثل دبي وسنغافورة.- الاعتماد المالي المفرط على الحكومة المركزيةتعاني الأمانة من عجزٍ ماليٍ مزمن؛ إذ تعتمد بنسبةٍ كبيرة على التحويلات الحكومية.أما الإيرادات الذاتية (من الرسوم والرخص والمواقف والإعلانات) فلا تغطي سوى 60% من النفقات التشغيلية في المتوسط.وهذا يجعلها في موقفٍ هشٍّ أمام أي أزمة مالية وطنية.- ضعف التواصل مع المواطنينالكثير من القرارات التنفيذية للأمانة تُتخذ دون إشراك المجتمع المحلي، مما يخلق فجوة في الثقة.ولا توجد إلى اليوم منصة حوارٍ حقيقية دائمة تُتيح للمواطن أن يشارك في صياغة القرار أو مراقبة تنفيذه.3- الممارسات الإيجابية والنجاحات الجزئيةعلى الرغم من هذه التحديات، حققت أمانة عمّان بعض النجاحات التي يجب البناء عليها:- مشروع الباص السريع : رغم التعثر الطويل، أصبح اليوم نموذجًا للنقل الحضري المستدام.- إطلاق مشروع “عمان الخضراء 2030” الذي يهدف لزيادة الرقعة الخضراء وتحسين جودة الهواء.- تحسين البنية التحتية للطرق الرئيسة في السنوات الأخيرة عبر مشاريع عبدون وصويلح وتقاطعات الدوار الثامن والسابع.- منصة “عمان تستمع” التي بدأت في إشراك المواطنين رقميًا في اقتراح الحلول المحلية.- التحول نحو الطاقة المتجددة في إنارة الشوارع وبعض المرافق العامة.هذه المبادرات تُظهر أن لدى الأمانة إمكانياتٍ تقنية وفكرية يمكن أن تُحدث الفارق، شرط أن تُدار ضمن منظومة مؤسسية واضحة ومترابطة.4- تحليل - نقاط القوة والضعف والفرص والتهديداتنقاط القوة - موقع العاصمة الجغرافي المركزي – كوادر بشرية كبيرة – دعم سياسي من الدولة – خبرة طويلة في الإدارة المحلية – مشاريع نقل وإنارة متقدمة.نقاط الضعف - تضخم إداري – ضعف التنسيق المؤسسي – عجز مالي – بطء التحول الرقمي – محدودية الشفافية.الفرص - توسع الاستثمار العقاري – مبادرات التحول الذكي الوطنية – إمكانية الشراكة مع القطاع الخاص – دعم من المنظمات الدولية.التهديدات - النمو السكاني السريع – الضغط على الموارد – التغير المناخي – فقدان الثقة المجتمعية إذا استمر الأداء الحالي دون إصلاح.5- إعادة الهيكلة المقترحة: نحو إدارة ذكية ومستقلة ماليًا# - إعادة تنظيم الهيكل المؤسسيأقترح أن تُعاد هيكلة الأمانة ضمن خمسة قطاعات استراتيجية مترابطة:1- قطاع التخطيط الحضري والتنمية المستدامة:يضع رؤية عمرانية متكاملة 2040، ويربط البنية التحتية بالنقل والتعليم والصحة.2- قطاع التحول الرقمي والبيانات الذكية:يضم مركز بيانات موحدًا يربط جميع إدارات الأمانة ويُراقب المشاريع والخدمات لحظيًا.3- قطاع الجمال والبيئة الحضرية:يعيد الاعتبار للحدائق، والتشجير، والنظافة العامة، والفن الحضري، ويطلق مبادرة “حديقتي مسؤوليتي”.4- قطاع التمويل والاستثمار البلدي:يتولى إنشاء صندوق التنمية الحضرية لعمان، وتفعيل الشراكات (PPP)، وتطوير موارد الأمانة لتصبح منتجة لا مستهلكة.5- قطاع المجتمع والشراكات المجتمعية:يربط بين المدارس والجامعات والمواطنين في برامج خدمة المدينة والعمل التطوعي.# - التحول نحو اللامركزيةتقسيم العاصمة إلى مناطق إدارية ذات صلاحيات تنفيذية واسعة ضمن إشراف مركزي موحد من الأمانة العامة. بهذا تُعزّز سرعة القرار، وتقلّل البيروقراطية، وتُرفع جودة الخدمة.1- التحول الرقمي الكاملإنشاء منصة موحدة للخدمات الإلكترونية تشمل الرخص، الشكاوى، الملاحظات، الدفع، والتتبع الزمني لكل معاملة. إدماج الذكاء الاصطناعي في مراقبة جودة الخدمات والنظافة والإشارات المرورية.2- التمويل الذكيتُطرح مبادرات تمويل مستدام مثل:- السندات الخضراء البلدية لتمويل مشاريع الطاقة الشمسية والنقل المستدام.- الرسوم البيئية الذكية لدعم مشاريع التشجير وإدارة النفايات.- صندوق تنمية حضرية بالشراكة مع القطاع المصرفي والمؤسسات الدولية.3- حوكمة الأداءإطلاق نظام تقييم دوري شفاف يعتمد على مؤشرات أداء KPI لكل مديرية وموظف، بحيث تُربط المكافأة بالإنجاز، والمساءلة بالتقصير. مع إنشاء لجنة مستقلة لمراقبة النزاهة والشفافية في العقود والمشاريع.6- الشراكات مع المجتمع والقطاع الخاصمن دون مشاركة المواطنين، لا يمكن لأي إصلاح أن ينجح.يُقترح أن تُطلق الأمانة مبادرات مثل:- عمان أجمل: لتشجير وتجميل الأحياء بالشراكة مع المدارس والقطاع الخاص.- مدرستي الخضراء: مشروع بيئي تربوي لتحويل المدارس إلى مساحات خضراء منتجة.- الحديقة المجتمعية: إدارة مشتركة بين الأمانة وسكان الحي للحدائق العامة.- صوت المواطن: منصة إلكترونية لتلقي الملاحظات ومتابعة التنفيذ بشفافية.7- تشريعات داعمة للإصلاحلكي تكون إعادة الهيكلة فعالة، لا بد من تحديث الإطار التشريعي للأمانة عبر:- إصدار قانون خاص بأمانة عمّان الكبرى يمنحها استقلالًا ماليًا وإداريًا واضحًا.- تعديل الأنظمة الحالية لتوسيع صلاحياتها في الاستثمار وإدارة المشاريع.- وضع نظام شراكات بلدية مع القطاع الخاص لتسهيل تمويل المشاريع الكبرى.- تعزيز دور مجلس الأمانة المنتخب ليكون شريكًا في الرقابة لا ديكورًا إداريًا.8- الخلاصة التحليلية للفصلإن أمانة عمّان الكبرى اليوم ليست عاجزة، لكنها مثقلة بنظام إداري قديمٍ لا يواكب التحديات الحديثة.وإعادة هيكلتها ليست مسألة فنية فقط، بل تحوّل فكري نحو نموذج الإدارة الذكية التي تُدار بالبيانات لا بالأوامر، وبالشفافية لا بالمجاملات.التحول المنشود يجب أن يحقق التوازن بين الفعالية المؤسسية والقرب من المواطن، وبين الاستقلال المالي والمساءلة العامة.عندها فقط يمكن للأمانة أن تتحوّل من جهازٍ بيروقراطيٍّ مثقلٍ بالنفقات إلى مؤسسة حضرية رشيقة تقود التنمية وتُحقق رؤيتنا في أن تكون عمّان مدينة ذكية، إنسانية، ومستدامة بحق.الفصل الثالث: التحول الرقمي مدينة تُدار بالبيانات والتقنيات الحديثةلم تعد فكرة "المدينة الذكية" حلمًا تكنولوجيًا أو رفاهيةً رقمية؛ بل أصبحت اليوم ضرورة حضرية تمسّ نوعية حياة الإنسان.فالعالم يشهد ثورة في إدارة المدن عبر البيانات الضخمة، والذكاء الاصطناعي، وقد أثبتت تجارب مثل سنغافورة، دبي، سيول، وهلسنكي أن التحول الرقمي الشامل يُسهم في رفع الكفاءة، خفض النفقات، وتحسين جودة الخدمات العامة.وفي هذا الإطار، تبرز عمّان كمدينة تمتلك البنية البشرية والتعليمية والتقنية التي تؤهلها لتكون من المدن الذكية الرائدة في الشرق الأوسط، شريطة أن تُدار وفق رؤيةٍ متكاملة لا تجزيئية، وأن تتبنّى التحول الرقمي بوصفه نهجًا استراتيجيًا وليس مشروعًا مرحليًا.1- ما معنى “المدينة الذكية” ولماذا تحتاجها عمّان؟المدينة الذكية ليست تلك التي تكثر فيها الأجهزة الإلكترونية، بل تلك التي تستخدم التكنولوجيا لخدمة الإنسان وتحسين جودة الحياة.ويقوم المفهوم على محاور أساسية تشمل:- التحول الرقمي للخدمات البلدية والإدارية- الإدارة الذكية للنقل والطاقة والمياه والنفايات- مشاركة المواطن في اتخاذ القرار- الاستدامة البيئية- تحليل البيانات للتخطيط المستقبليإن تطبيق هذا المفهوم في عمّان يعني أن المواطن يستطيع، عبر هاتفه، أن يُصدر رخصة بناء، ويبلّغ عن خلل في الطريق، ويتابع مشاريع الأمانة لحظة بلحظة.ويعني أيضًا أن إشارات المرور تُدار تلقائيًا حسب كثافة السيارات، وأن الإنارة تُضاء فقط عند الحاجة، وأن النفايات تُجمع في الوقت والمكان الأمثل.2- واقع التحول الرقمي في عمّان اليومرغم وجود بوادر إيجابية، مثل منصة أمانة عمّان الإلكترونية وبعض مشاريع التحول الرقمي الحكومية، إلا أن الواقع ما زال في مرحلة البدايات التجريبية:- هناك أكثر من 200 خدمة بلدية تقدمها الأمانة، لكن أقل من 40% منها متاحة إلكترونيًا بالكامل.- لا يوجد مركز بيانات حضري موحّد يجمع المعلومات من مختلف المديريات (النقل، النظافة، الصحة، الرخص، البيئة...).- ضعف في التكامل بين الوزارات، خصوصًا بين أمانة عمّان ووزارات الاقتصاد الرقمي، النقل، والبيئة.- قلة الوعي المجتمعي باستخدام الخدمات الإلكترونية، بسبب ضعف الترويج الرقمي.بمعنى آخر، ما زالت عمّان في مرحلة “الرقمنة الجزئية”، ولم تنتقل بعد إلى مرحلة الإدارة الذكية القائمة على البيانات المتكاملة.3- البنية الرقمية المطلوبة لمدينة عمّان الذكيةلكي تتحول عمّان إلى مدينة ذكية حقيقية، تحتاج إلى بنية رقمية مركزية تضم العناصر التالية:# مركز بيانات حضري موحّديكون بمثابة “العقل المركزي” للمدينة، يتلقى البيانات من مختلف المصادر:- أجهزة الاستشعار في الشوارع والمباني.- أنظمة النقل الذكية.- المنصات البلدية والخدمية.- بيانات الطقس والمياه والطاقة.- ملاحظات المواطنين من تطبيقات الهواتف الذكية.ويُحلّل المركز هذه البيانات لحظيًا باستخدام الذكاء الاصطناعي لتوجيه القرارات الفورية - مثل إعادة برمجة الإشارات المرورية أو توزيع آليات النظافة أو مراقبة الانبعاثات البيئية.# شبكة استشعار وإنترنت الأشياءيتم تركيب أجهزة استشعار في الشوارع، الحافلات، المصابيح، صناديق النفايات، وحدات المياه، لرصد كل ما يجري داخل المدينة:من درجة حرارة الهواء، إلى مستوى الامتلاء في الحاويات، إلى تدفق السيارات. هذه الشبكة تُعد “حاسة المدينة” التي تمدّ مركز البيانات بالمعلومات الحية.# نظام الهوية الرقمية للمواطنلكل مواطن رقم بلدي موحد يتيح له الوصول إلى جميع الخدمات العامة (رخص، فواتير، شكاوى، ضرائب، طلبات). ويُربط هذا النظام بوزارة الاقتصاد الرقمي لتجنب الازدواجية.# البنية السحابية والاتصال الآمنينبغي تطوير شبكة اتصالات بلدية داخلية تعتمد على الحوسبة السحابية لحفظ البيانات وضمان الأمان السيبراني. فأي اختراق في نظام المدينة قد يشلّ خدمات النقل أو الكهرباء، لذا فإن الأمن السيبراني أحد ركائز التحول الذكي.4- الذكاء الاصطناعي في إدارة المدينةالذكاء الاصطناعي (AI) يمكن أن يكون المحرّك الرئيس لعمّان الذكية، من خلال:- إدارة المرور: تحليل بيانات الكاميرات والاستشعار لتعديل الإشارات وتقليل الازدحام.- إدارة النفايات: تتبع امتلاء الحاويات وتوجيه الشاحنات وفق خريطة ذكية.- الطاقة والإضاءة: تشغيل الإنارة تلقائيًا عند الحاجة لتوفير الطاقة.- تحليل الأعطال في البنية التحتية: عبر خوارزميات تتنبأ بانهيار الطرق أو تسرّب المياه.- خدمة المواطن: استخدام روبوتات محادثة ذكية للإجابة على أسئلة المواطنين وتسهيل المعاملات.كما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في تحليل البيانات الاقتصادية والديموغرافية، لتوجيه الاستثمار في المناطق الأكثر احتياجًا أو قابلية للنمو.5- التحول الرقمي في التعليم والصحة داخل العاصمةالتحول الذكي لا يعني الخدمات البلدية فقط، بل يمتد إلى المدارس والمستشفيات بوصفها عناصر أساسية في رفاه المواطن.* التعليم الذكي:- ربط المدارس الحكومية بشبكة بيانات مركزية للأمانة ووزارة التربية.- استخدام الواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي في التعليم.- إنشاء “مدارس ذكية خضراء” تستهلك طاقة متجددة وتُنتج بيانات تعليمية لتحليل الأداء الطلابي.- إطلاق برنامج “المدرسة في الحي الذكي” لربط المناهج بمشاريع خدمة المجتمع المحلي.* الصحة الرقمية:- دعم مراكز الرعاية الصحية الأولية بمنصات رقمية تسجّل المرضى وتتابع حالتهم.- مراقبة جودة الهواء والمياه باستخدام أجهزة استشعار ذكية، وإرسال إنذارات مبكرة للأمانة.- تطوير تطبيق صحي تابع للأمانة يُتيح للمواطن معرفة أقرب مركز صحي وتقييم الخدمات.6- التحول الذكي في النقل العاميُعتبر النقل أحد أكبر التحديات في عمّان، وهو أيضًا أكثر المجالات قابليةً للتحول الرقمي.المقترحات:- نظام نقل متكامل يربط جميع الحافلات والتقاطعات عبر شبكة بيانات.- بطاقة ذكية موحدة للنقل تُستخدم في الباص السريع والمواصلات الأخرى.- تطبيق لحظي للنقل الذكي يتيح للمواطن معرفة أوقات الحافلات وحالتها.- تشجيع النقل المستدام الدراجات الكهربائية، المشي، المركبات الهجينة.- توسيع شبكة الباص السريع وربطها بالمناطق الطرفية مثل ماركا وسحاب وتلاع العلي.7- مشاركة المجتمع في التحول الذكيمدينة ذكية لا تُبنى بالأجهزة فقط، بل بالمواطن الواعي.ينبغي أن يُصمَّم التحول الرقمي في عمّان بمشاركة السكان، من خلال:- منصّة “عمّان تستمع” لتلقي اقتراحات وملاحظات السكان.- حملات توعوية حول الاستخدام الآمن والمسؤول للتكنولوجيا.- دعم الشركات الناشئة الأردنية لتطوير حلول محلية للمدينة (تطبيقات، خرائط، تحليلات).- دمج الشباب الجامعي في “مختبرات المدينة الذكية” لتطوير أفكار عملية.8- التحديات المحتملة في طريق التحولأي مشروع تحوّل رقمي بهذا الحجم سيواجه عقبات، من أبرزها:- نقص التمويل المستدام.- ضعف التنسيق بين المؤسسات الحكومية.- البيروقراطية في اتخاذ القرار.- نقص الكفاءات التقنية المحلية.- المخاوف المتعلقة بالخصوصية وحماية البيانات.لكن يمكن التغلب عليها عبر رؤية وطنية موحدة، وتعاون حقيقي بين أمانة عمّان الكبرى، وزارة الاقتصاد الرقمي، الجامعات، والقطاع الخاص.9- الفوائد المتوقعة من التحول الذكي- خفض النفقات التشغيلية بنسبة 30%.- رفع كفاءة الخدمات البلدية بنسبة 50%.- تحسين جودة الهواء والنظافة العامة.- جذب استثمارات جديدة في التكنولوجيا الخضراء.- زيادة رضا المواطنين عن الخدمات.- توفير آلاف فرص العمل في مجالات البرمجة، الصيانة، والذكاء الاصطناعي.خلاصة الفصل الثالثالتحول الذكي في عمّان ليس مجرد مشروع تكنولوجي، بل تحول ثقافي وفلسفي في إدارة المدينة.هو انتقال من “رد الفعل” إلى “التخطيط المسبق”، ومن الورق إلى البيانات، ومن البيروقراطية إلى الذكاء الجماعي.إن تحقيق هذا التحول سيجعل عمّان نموذجًا إقليميًا يحتذى به، ويؤكد أن المدن لا تُقاس بمبانيها، بل بذكائها وإنسانيتها.الفصل الرابع: التنمية المستدامة والبيئة – من مدينة متعبة إلى عاصمة خضراء وصحيةيقول المهندس المعماري الفرنسي لو كوربوزييه "المدينة ليست حجارةً تُبنى، بل حياةٌ تُنظَّم".وهذا القول يختصر جوهر التحدي الذي تواجهه عمّان اليوم؛ مدينة تنمو بسرعة، لكن نموها غالبًا غير متوازن بيئيًا.فبينما تتسع الأحياء السكنية والمراكز التجارية، تتراجع المساحات الخضراء وتزداد مستويات التلوث، ويضعف التنسيق بين التخطيط العمراني والبيئة الطبيعية.لقد بلغ عدد سكان العاصمة أكثر من 4.5 مليون نسمة، وتضاعفت الكثافة السكانية خلال عقدٍ واحدٍ بنسبة تقارب 70%.ومع هذه الزيادة الهائلة في عدد السكان والسيارات والبناء، أصبحت عمّان تواجه أزمة بيئية حضرية مركّبة تشمل: تلوث الهواء، ضعف إدارة النفايات، نقص المياه، غياب العدالة البيئية، وانحسار الغطاء النباتي.إنّ جعل عمّان مدينةً مستدامةً لا يعني فقط زراعة الأشجار أو إنشاء حدائق، بل يعني إعادة صياغة العلاقة بين الإنسان والمكان — علاقة تقوم على التوازن والانسجام لا الاستهلاك المفرط.1- التحديات البيئية الراهنة في عمّان- تلوث الهواءتشير الدراسات الصادرة عن وزارة البيئة الأردنية لعام 2024 إلى أن مستويات الجسيمات الدقيقة في عمّان تتجاوز الحد المسموح به من منظمة الصحة العالمية بنسبة 60%.السبب الرئيس هو الازدحام المروري واستخدام الوقود التقليدي، حيث تسير في شوارع العاصمة أكثر من 1.6 مليون مركبة.وتؤدي هذه الملوثات إلى ارتفاع أمراض الجهاز التنفسي والقلب، خاصة في المناطق ذات الكثافة العالية.- دارة النفايات الصلبةتنتج عمّان يوميًا نحو 3500 طن من النفايات، يُعاد تدوير أقل من 10% منها فقط.أما الباقي فيُطمر في مكبات رئيسية أبرزها مكب الغباوي، الذي بات مصدرًا لانبعاث الميثان والروائح.وتواجه أمانة عمّان تحديات في كلفة النقل والمعالجة وضعف الوعي المجتمعي بفرز النفايات.- شحّ المياهالأردن من أفقر خمس دول في العالم مائيًا، وعمّان تعتمد على مصادر محدودة. يصل معدل استهلاك الفرد اليومي إلى اقل من 80 لترًا، أي أقل من المعدل العالمي الموصى به (120 لترًا).تتزايد الضغوط مع النمو السكاني، مما يتطلب إعادة استخدام المياه المعالجة في الزراعة والريّ الحضري.- فقدان المساحات الخضراءتشير بيانات “أمانة عمّان الكبرى” إلى أن نصيب الفرد من المساحات الخضراء لا يتجاوز 2.5 متر مربع، بينما توصي المعايير الدولية بـ 10 أمتار مربعة على الأقل. وفي الوقت نفسه، تتعرض الحدائق العامة للإهمال، ويتراجع الغطاء النباتي لصالح الأبنية التجارية.- الاختلال المناخيتشهد العاصمة ارتفاعًا تدريجيًا في درجات الحرارة بمعدل 0.3 درجة سنويًا خلال العقد الأخير، وزيادة في موجات الغبار. هذا يعني أننا أمام تحدٍ مناخي حقيقي يهدد جودة الحياة ويستدعي خطط تكيّف عاجلة.1- رؤية “عمّان الخضراء 2035”تحقيق التوازن البيئي في العاصمة يتطلب خطة شاملة تحت عنوان:“عمّان الخضراء 2035” رؤية لتحويل العاصمة إلى نموذج بيئي متكامل يقوم على الاستدامة، والصحة، والعدالة البيئية.وترتكز الرؤية على خمسة محاور رئيسية:- التحول نحو طاقة نظيفة ومستدامة- إدارة النفايات والمياه بكفاءة عالية- توسيع الرقعة الخضراء والتشجير الحضري- تحسين جودة الهواء والنقل المستدام- تفعيل المشاركة المجتمعية والوعي البيئي3- الطاقة النظيفة في عمّانتستهلك العاصمة نحو 40% من إجمالي الطاقة في المملكة.يمكن تقليل هذا الرقم عبر:- التحول إلى الإنارة الذكية بالطاقة الشمسية في الشوارع والمباني العامة.- تشجيع استخدام الأسطح الشمسية في الأبنية السكنية والمؤسسات الحكومية.- دعم حافلات النقل العام الكهربائية والهجينة.- إنشاء صندوق للطاقة البلدية يمول مشاريع التحول عبر السندات الخضراء.بحسب تقديرات وزارة الطاقة، يمكن أن توفر عمّان نحو 60 مليون دينار سنويًا إذا غطّت 25% من احتياجاتها بالطاقة المتجددة.4- إدارة المياه وإعادة التدوير- المياه الرماديةيمكن للأمانة بالتعاون مع وزارة المياه إنشاء أنظمة لإعادة استخدام “المياه الرمادية” من المغاسل والاستحمام لريّ الحدائق العامة.- حصاد مياه الأمطاربسبب الطبيعة الجبلية، تُهدر ملايين الأمتار المكعبة سنويًا.الحل يكمن في أنظمة جمع مياه الأمطار فوق الأبنية والمدارس واستخدامها لريّ الأشجار والمسطحات الخضراء.- إعادة التدوير والنفاياتاعتماد نظام فرز النفايات من المصدر (عضوية، بلاستيك، ورق) في الأحياء.ويمكن تحويل مكب الغباوي إلى محطة توليد غاز حيوي (Biogas Plant) لإنتاج الكهرباء من الميثان.هذا المشروع يمكن أن يُولّد ما يقارب 15 ميغاواط سنويًا — تكفي لإنارة آلاف المنازل.5- توسعة الرقعة الخضراء والتجميل الحضريلتحقيق هدف 10 م² للفرد من المساحات الخضراء بحلول 2035، يجب:- زراعة مليون شجرة جديدة في العاصمة خلال عشر سنوات.- تحويل الأراضي المهجورة إلى حدائق مجتمعية.- إنشاء “ممرات خضراء” تربط بين الأحياء عبر خطوط تشجير وممرات مشاة.- تبني “العمارة الخضراء” في البناء الجديد، بحيث تُخصص نسبة من الأرض للزراعة العمودية.- تحفيز مبادرات القطاع الخاص لتجميل المداخل والدوارات والحدائق العامة.مشروع “عمّان تتنفس” يمكن أن يكون عنوانًا جامعًا لهذه المبادرات، يجمع بين الأمانة والمدارس والجامعات والمواطنين.6- النقل المستدام وجودة الهواءالنقل هو المصدر الأكبر للتلوث، لكنه أيضًا مفتاح الحل.من خلال ربط مشاريع النقل الذكي والتحول إلى المركبات الكهربائية، يمكن خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 30% خلال عشر سنوات.المقترحات تشمل:- توسيع شبكة الباص السريع وربطها بالمناطق الطرفية.- إنشاء ممرات للدراجات الهوائية في الأحياء الجديدة.- فرض رسوم بيئية على المركبات القديمة وتشجيع استبدالها.- استخدام الذكاء الاصطناعي لتنظيم إشارات المرور وتقليل الازدحام.7- العدالة البيئية والمجتمعيةالتنمية المستدامة لا تقتصر على البيئة فقط، بل تشمل العدالة في توزيع الخدمات. شرق عمّان لا يجب أن يبقى أقل حظًا من غربها في الحدائق أو النظافة أو النقل. لذلك، يجب أن تعتمد الأمانة مبدأ “الموازنة البيئية العادلة”، بحيث توزَّع المشاريع الخضراء حسب الحاجة لا حسب النفوذ الاقتصادي.إنشاء مؤشر جودة حياة بلدي يقيس مستوى النظافة، المساحات الخضراء، جودة الهواء، والراحة الحضرية في كل حيّ، ويُنشر علنًا للشفافية.8- إشراك المجتمع في التنمية المستدامةالبيئة لا تُبنى بالقرارات فقط، بل بالمشاركة الشعبية.تُقترح مبادرات مثل:- حديقتي مسؤوليتي: برنامج يُشرك الأهالي في إدارة وصيانة الحدائق العامة.- المدرسة الخضراء: لكل مدرسة حديقة صغيرة تُزرع وتُدار من الطلبة.- يوم عمّان الأخضر: فعالية سنوية لغرس الأشجار وتنظيف الأحياء.- التطوع البيئي الإلكتروني: منصة تسمح للمواطن بتقديم مقترحات أو صور لمواقع تحتاج صيانة.9- التشريعات والسياسات الداعمةلتطبيق هذه الرؤية، يجب تحديث الإطار القانوني:- فرض كود بناء أخضر على المشاريع الجديدة.- إلزام المؤسسات الحكومية باستخدام الطاقة المتجددة بنسبة لا تقل عن 20%.- إدخال الضريبة البيئية الذكية على الصناعات الملوثة.- اعتماد نظام نقاط خضراء يمنح حوافز ضريبية للشركات التي تلتزم بالمعايير البيئية.خلاصة الفصل الرابعتتحول المدن العصرية اليوم من مراكز إسمنتية إلى كائنات بيئية حية، وعمّان لا يمكن أن تكون استثناءً من هذا التحول. الاستدامة ليست شعارًا بيئيًا، بل فلسفة حكم وإدارة.حين تُضاء شوارع عمّان بالطاقة الشمسية، وتُروى حدائقها بالمياه الرمادية، ويتنفس أطفالها هواءً نقيًا، عندها فقط يمكن أن نقول إننا نسير نحو عاصمةٍ حقيقيةٍ تُحاكي المستقبل.إن “عمّان الخضراء 2035” ليست حلمًا بعيدًا، بل مشروع وطني شامل يحتاج إلى إرادة سياسية، وخطة تنفيذية دقيقة، وشراكة فاعلة بين الدولة والمجتمع. فالمدينة التي تزرع اليوم، تحصد غدًا حياةً أجمل.الفصل الخامس: النهضة الاجتماعية والاقتصادية – من البطالة إلى اقتصاد الإبداع والمواطنة الفاعلةالمدن لا تُبنى بالحجر فقط، بل بالبشر.وإذا كانت عمّان في الفصول السابقة قد بَدَت لنا مدينةً يمكن أن تُدار بالذكاء الرقمي، وتزدهر بالمساحات الخضراء، فإنّ كل ذلك سيظل ناقصًا إن لم تُدار بالإنسان وللإنسان. فالتحول الحقيقي لأي مدينة يبدأ من النهضة الاجتماعية والاقتصادية، أي من تمكين سكانها، ورفع كفاءتهم، وتوسيع مشاركتهم في صناعة القرار والإنتاج والابتكار.لقد وصلت عمّان اليوم إلى نقطة توازن حساسة:بين مجتمعٍ فتيٍّ يفيض بالطاقة، واقتصادٍ يعاني من البطالة، وبين مواطنٍ يريد أن يعيش بكرامة، ومؤسساتٍ ما زالت بطيئة في تحقيق ذلك. فإذا أردنا أن نُحدث نقلة حضارية حقيقية، علينا أن نعيد تعريف التنمية ليس كمشاريعٍ إسمنتية فقط، بل كمنظومة إنسانية متكاملة تُحقق العدالة الاجتماعية، وتخلق اقتصادًا معرفيًا منتجًا ومستدامًا.1- التركيبة الاجتماعية والسكانية في عمّانتُعدّ عمّان اليوم مدينة شابة بامتياز. فحوالي 62% من سكانها تحت سن الثلاثين، وهي نسبة تُعد من الأعلى في المنطقة العربية. ويعيش فيها مزيج متنوع من الأردنيين واللاجئين والمقيمين من جنسيات مختلفة، مما يجعلها أكثر المدن العربية تنوعًا ثقافيًا واجتماعيًا.هذا التنوع مصدر غنى، لكنه أيضًا تحدٍّ في إدارة العدالة والفرص.تواجه العاصمة مشكلات واضحة في توزيع الخدمات بين شرقها وغربها، وفي ارتفاع تكاليف المعيشة والسكن والتعليم، مما خلق فجوة طبقية داخل المدينة. فهناك عمّان “المتخمة” بالمولات، وعمّان “المهمشة” التي تكافح لتأمين احتياجاتها الأساسية.التنمية الحضرية لا يمكن أن تُكتب بالإنصاف ما لم تردم هذه الفجوة وتعيد بناء الجسور بين طرفَي المدينة.2- البطالة وتحديات سوق العملتشير بيانات دائرة الإحصاءات العامة لعام 2024 إلى أن معدل البطالة في الأردن يبلغ نحو 21%، لكنه يتجاوز 27% بين الشباب، و 35% بين الإناث. وفي عمّان، رغم كونها مركز الاقتصاد الوطني، ما زالت الفرص محدودة مقارنة بالعدد الهائل من الخريجين الجامعيين سنويًا.أسباب رئيسية:- غلبة الاقتصاد الخدمي وضعف الصناعات التحويلية.- غياب التدريب المهني والتقني المتقدم.- ضعف ربط التعليم بسوق العمل.- مركزية القرار الاقتصادي في المؤسسات الكبرى دون دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة.ولذلك، فإن الحلول لا تكمن فقط في “خلق وظائف”، بل في تحويل نمط الاقتصاد من الاستهلاك إلى الإنتاج، ومن “الوظيفة” إلى “الريادة”.3- نحو اقتصاد المعرفة والإبداعإذا أردنا لعمّان أن تكون مدينة المستقبل، يجب أن نعيد رسم اقتصادها على أساس المعرفة، والتكنولوجيا، والإبداع.الخطوات المقترحة:# منظومة الابتكار وريادة الأعمال- إنشاء “وادي عمّان للتكنولوجيا” كمجمع للابتكار والحاضنات الرقمية، بالشراكة بين الأمانة والجامعات.- توفير حوافز ضريبية للشركات الناشئة في مجالات التكنولوجيا النظيفة والذكاء الاصطناعي والطاقة.- إطلاق برنامج “عمّان تصنع المستقبل” لتدريب 50 ألف شاب على مهارات البرمجة والابتكار بحلول 2030.# الاقتصاد الأخضر- دعم المشروعات التي تدمج بين البيئة والاقتصاد، مثل إعادة التدوير، الزراعة الحضرية، والطاقة الشمسية.- تحويل الأحياء السكنية إلى “أحياء منتجة” عبر الحدائق المنزلية والأسطح الزراعية.- تشجيع الاستثمار في النقل الكهربائي والمباني المستدامة لتوليد فرص عمل خضراء جديدة.# الاقتصاد الإبداعي والثقافة- توظيف الفنون والهوية الثقافية في الاقتصاد المحلي (التراث، التصميم، الحرف اليدوية، المهرجانات).- تحويل وسط البلد إلى منطقة تراثية اقتصادية تُعيد توظيف الأبنية القديمة كمراكز فنية وسياحية.- دعم الصناعات الإبداعية التي تشغّل الشباب في مجالات الإعلام الرقمي، الموسيقى، الألعاب الإلكترونية، والسينما.4- إصلاح التعليم كشرط أساسي للنهوضلا يمكن لأي مدينة أن تنجح في التحول دون تعليم متجدد.في عمّان، يدرس أكثر من 700 ألف طالب وطالبة في المدارس الحكومية والخاصة.لكن التحدي الأكبر أن التعليم ما زال يعتمد على التلقين والحفظ، في حين أن المستقبل يتطلب مهارات التفكير النقدي والابتكار والتعاون.التوجهات المطلوبة:- إدخال مناهج رقمية وتفاعلية في التعليم الأساسي.- بناء مدارس ذكية خضراء مجهزة بالطاقة الشمسية والإنترنت السريع.- تعزيز التعليم التقني والمهني بالشراكة مع القطاع الخاص.- ربط المدارس بالمجتمع المحلي عبر مبادرات بيئية وخدمية.التعليم في عمّان يجب أن يُعيد بناء الإنسان لا أن يكدّس المعلومات، ويجب أن يعلّم الطفل كيف يحل المشكلات لا كيف يتجنبها.5- النظام الصحي والرعاية الاجتماعيةالمدينة الذكية لا تكتمل دون نظام صحي متكامل.ورغم التقدم النسبي في المراكز الصحية والمستشفيات، إلا أن هناك تفاوتًا في التوزيع الجغرافي وجودة الخدمات.المقترحات:- إنشاء نظام صحي موحد يربط المراكز الصحية عبر منصة رقمية واحدة.- تطوير خدمات الرعاية المنزلية لكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة.- إنشاء “مراكز حياة” في كل حيّ، تجمع بين الطب الوقائي، واللياقة، والاستشارات الأسرية.- دعم برامج الصحة النفسية، خصوصًا للشباب الذين يعانون من القلق والبطالة.6- الثقافة المدنية والمواطنة الفاعلةالمدينة لا تزدهر دون مواطنٍ يشعر بالانتماء إليها.وفي عمّان، نحتاج إلى إعادة بناء ثقافة المواطنة القائمة على المسؤولية والمشاركة، لا الاكتفاء بالمطالبة بالخدمات.المواطنة الفاعلة تعني:- المشاركة في اتخاذ القرار عبر المنصات الرقمية المحلية.- الالتزام بالقانون والنظافة والاحترام العام.- الانخراط في مبادرات تطوعية لخدمة الأحياء.- دعم المشاريع الصغيرة والمنتجات الوطنية.يمكن لأمانة عمّان أن تطلق “مجلس المواطن الشاب”، يضم ممثلين من المدارس والجامعات، للمشاركة في رسم مستقبل المدينة، وتعزيز الانتماء الوطني عبر التجربة الميدانية.7- دور المرأة والشباب في النهضةالمرأة في عمّان تمثل أكثر من 49% من السكان، لكنها تشارك في سوق العمل بنسبة لا تتجاوز 15%.هذا الرقم بحد ذاته يعكس طاقة اقتصادية هائلة غير مستثمرة. إن تمكين المرأة ليس ترفًا، بل هو استثمار مباشر في التنمية.الشباب أيضًا يمثلون الوقود الحيوي للتحول القادم.ينبغي أن تكون السياسات موجهة نحو:- إنشاء حاضنات أعمال شبابية.- برامج تدريبية مدعومة بالتعاون مع الجامعات.- مبادرات تطوعية لتجميل الأحياء وتشجير المدينة.- إشراك الشباب في مراقبة الأداء البلدي عبر تطبيقات رقمية تفاعلية.8- العدالة الاجتماعية والاقتصاديةلكي تكون عمّان مدينة للجميع، يجب أن يتحقق فيها الإنصاف المكاني والاجتماعي.فالمدينة العادلة ليست التي تبني أكثر، بل التي توزّع أفضل. اُقترح إنشاء “مؤشر العدالة الحضرية” الذي يقيس الفروق بين الأحياء في التعليم، الصحة، النقل، والنظافة، وينشر نتائجه سنويًا لتعزيز الشفافية.كما يجب تطوير سياسات إسكان ميسّرة للشباب، وتشجيع الإسكان التعاوني، ومنع المضاربات العقارية التي ترفع الأسعار وتُقصي الطبقات المتوسطة.9- الاقتصاد السياحي والثقافيلدى عمّان إمكانات سياحية كبيرة: آثار رومانية، معالم عثمانية، أسواق قديمة، طبيعة جبلية فريدة.لكنها لم تُستثمر بعد بالقدر الكافي. التحول المطلوب هو تحويل السياحة إلى اقتصاد محلي مستدام، لا مجرد زيارات عابرة.المقترحات:- تطوير منطقة وسط البلد كـ “وجهة تراثية رقمية” تُعرض فيها القصص التاريخية عبر تقنيات الواقع المعزز.- ربط المسارات السياحية بين المدرج الروماني وجبل القلعة والبيوت القديمة بمسارات مشي خضراء.- تشجيع المقاهي والمحال الثقافية الصغيرة التي توفّر فرص عمل وتنعش السياحة الداخلية.- تنظيم مهرجانات سنوية للفنون والحرف الشعبية.خاتمة الفصل والبحث بأكملهفي نهاية هذا البحث، يمكن القول إن عمّان اليوم تقف أمام فرصة تاريخية لإعادة تعريف نفسها:ليست فقط عاصمة سياسية، بل مختبر حضاري وإنساني يجمع بين الذكاء الرقمي، والوعي البيئي، والعدالة الاجتماعية، والاقتصاد المنتج.إن بناء مدينة ذكية دون مواطنٍ واعٍ هو كمن يبني جسدًا دون روح. وبناء مدينة خضراء دون تعليمٍ متجدد هو كمن يغرس شجرة في تربةٍ عطشى. لذلك، فإن نهضة عمّان الحقيقية تقوم على ثلاثية متكاملة:- الإدارة الذكية – عبر أمانةٍ شفافة، فعّالة، مستقلة ماليًا.- البيئة المستدامة – عبر تخضير المدينة وتنمية مواردها.- النهضة الإنسانية والاقتصادية – عبر التعليم، والعدالة، والإبداع.رسالة إلى كلّ من يحبّ عمّان… وإلى كلّ من يشعر أنّ قلبه معلّق بهذه المدينة كما هو معلّق بالسماء.إنّ تحويل عمّان إلى مدينة ذكيّة، إنسانيّة، ومنفتحة ليس رفاهيةً نطمح إليها، بل هو واجبٌ وطنيّ، ومسؤولية أخلاقية أمام الأجيال القادمة. فكلّ واحدٍ منّا—صانع قرار، مواطن، مؤسّسة، قطاع خاص—يمتلك جزءًا من هذا الحلم، ويملك القدرة على أن يكون لبنةً في بناء العاصمة التي نستحقها.أكتب هذه الكلمات وأنا أنظر إلى عمّان بعينٍ امتلأت بخبرات السماء. فأنا، كطيّار سابق، قضيت عمري فوق الغيوم، محمولًا على جناحي الدقّة والانضباط. كانت مسؤوليتي الأولى هي الأمان… أمان المسافر، أمان الرحلة، أمان الوجهة. وكنت أعرف أنّ كل إقلاع يحتاج تنظيمًا، وأن كل هبوط يحتاج ثقة، وأن راحة المسافر تبدأ من قدرة الطاقم على توفير الطاقة والموارد بحكمة ووعي.حلّقت فوق خمس قارات، رأيت مدنًا تتألّق بالعطاء، وأخرى تنهض من تحت ركام التحديات، وتعلّمت أنّ المدن ليست مجرد مبانٍ وشوارع… بل روحٌ تُغذّي أبناءها، وشعبٌ يختار أن يبادلها الحبّ بالفعل لا بالشعارات.ولذلك، فإن هذه الدراسة التي أقدّمها ليست مجرّد مشروع أو فكرة على ورق؛ بل هي وفاءٌ لمدينتي… لمنبع طفولتي، ولأوّل سماء رأيتها، ولأرضٍ أعطتنا الكثير وما زلنا لم نُعطِها حقها.حين تصبح أمانة عمّان الكبرى مؤسسةً منتجة وشفافة، وحين تتحوّل العاصمة إلى مدينةٍ خضراء تنبض بالحياة، عندها فقط سنستطيع أن نقول بفخرٍ حقيقي:"عمّان لم تعد عبئًا على الدولة، بل زينتها… ومصدر إشراقها… ووجهها المشرق أمام العالم."إنّ هذا الحلم ليس بعيدًا، بل أقرب مما نتخيّل. يبدأ بخطوة، بفكرة، بقرار صغير يتخذه كلّ واحد فينا، وبشعور مسؤولية يسبق كل إنجاز.وأنا أرجو من كلّ من يقرأ هذه الرسالة أن يكون جزءًا من هذا التحوّل. أن يكون عامل تحسينٍ وعطاء… أن يقدّم لعمّان جزءًا مما قدّمته له، ولو بكلمة، أو سلوك، أو مبادرة صغيرة.فالمدن العظيمة لا تُبنى بالحجر فقط… بل تُبنى بالحبّ، بالوعي، وبالناس الذين يؤمنون أنّ مستقبلهم يبدأ من المكان الذي يحبّونه.كابتن أسامة شقمانطيّار سابق… وابنٌ لهذه المدينة التي لا تزال، رغم كل شيء، أجمل من أن نخذلها.شقمان يكتب: عمّان نحو المستقبل.. رؤية تنموية لتحويل العاصمة إلى مدينة تنبض بالحياة — إنسانية، مستدامة، وذكية
الكابتن أسامة شقمان
شقمان يكتب: عمّان نحو المستقبل.. رؤية تنموية لتحويل العاصمة إلى مدينة تنبض بالحياة — إنسانية، مستدامة، وذكية
مدار الساعة ـ