أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة الموقف جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين رياضة اخبار خفيفة ثقافة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

النظام السياسي الفلسطيني حال الشغور الدستوري


المحامي الدكتور معاذ وليد ابو دلو

النظام السياسي الفلسطيني حال الشغور الدستوري

مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ

مرت القضية الفلسطينية بمحطات عديدة شكلت ملامحها السياسية والعسكرية على مدى أكثر من سبعة عقود فالصراع العربي الإسرائيلي والفلسطيني الإسرائيلي لم يكن صراعًا عابرًا بل مسارًا تاريخيًا مليئًا بالتحولات الحادة التي أعادت رسم خريطة المنطقة منذ عام 1948 حين اندلعت الحرب الأولى عقب إعلان قيام دولة إسرائيل، الذي أدخل العالم العربي مرحلة جديدة من التحديات الوجودية إذ تحولت المواجهة من صراع حول الأرض إلى صراع على الهوية والوجود فحرب النكبة كما يسميها الفلسطينيون لم تكن مجرد معركة عسكرية بل بداية مأساة إنسانية وسياسية كبرى حيث تم تهجير ما يقارب المليون فلسطيني من ديارهم فيما تمكنت إسرائيل من فرض سيطرتها على ما يزيد على ثلاثة أرباع أرض فلسطين التاريخية وبدأت مرحلة من الهيمنة الإسرائيلية المستمرة في ظل ضعف الموقف العربي وتشتت القرار الفلسطيني ومن

ثم جاءت حرب عام 1967 المعروفة بنكسة حزيران لتشكل نقطة تحول مفصلية في ميزان القوى الإقليمي إذ تمكنت إسرائيل خلال ستة أيام فقط من احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء والجولان ما أدى إلى توسع جغرافي هائل في الأراضي المحتلة وتعميق واقع الهزيمة العربية وقد رسخت هذه الحرب التفوق العسكري الإسرائيلي وأبرزت الفجوة بين القدرات العربية والإسرائيلية ومنذ ذلك الحين بدأت إسرائيل في تنفيذ سياسة منظمة تهدف إلى فرض الأمر الواقع على الأرض عبر التوسع الاستيطاني وتهويد القدس واستهداف المقدسات الإسلامية والمسيحية وصولًا إلى حرب غزة وما سوف يتلوها في ظل انشغال النظام العربي بخلافاته الداخلية وأزماته الاقتصادية والسياسية.

ووسط هذا الواقع ظهر كيان سياسي يمثل الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية وينسق الجهود النضالية فكان تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 بقرار من القمة العربية في القاهرة والتي أصبحت بموجبه المنظمة الممثل الشرعي الوحيد كما أرادها عرفات والدول العربية، للشعب الفلسطيني لتصبح الكيان السياسي الذي يجسد الهوية الفلسطينية وبالتوازي كانت حركة فتح تخوض مسارها الخاص في العمل السياسي إذ تأسست فعليًا عام 1959 وأُعلن عن انطلاقتها رسميًا في عام 1965 لتشكل رأس الحربة في النضال الفلسطيني المسلح ومع مرور الوقت تمكنت فتح من تولي زمام قيادة منظمة التحرير والسيطرة عليها وإبعاد قوى أخرى عن المشهد وأصبحت القوة السياسية المهيمنة على القرار الفلسطيني قبل أن تتحول لاحقًا إلى تبني خيار التفاوض السياسي منذ توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993 التي اعتبرها عدد كبير من الفلسطينيين والعرب أنها أنهت فعليًا القضية الفلسطينية على عكس ما روج لها.

شكلت أوسلو نقطة انعطاف أساسية إذ مثلت أول اعتراف متبادل بين منظمة التحرير الفلسطينية التي تسيطر عليها فتح وإسرائيل برعاية أميركية ونصت على إقامة سلطة وطنية فلسطينية تتولى إدارة الحكم الذاتي في الضفة الغربية وقطاع غزة وتتولى هذه السلطة مهامها من خلال ثلاث سلطات أساسية السلطة التنفيذية والسلطة القضائية والسلطة التشريعية غير أن هذه السلطة بقيت محدودة الصلاحيات بسبب استمرار الاحتلال الإسرائيلي وتحجيم دورها.

ومع إنشاء السلطة الوطنية ظهرت ازدواجية في المرجعية بين منظمة التحرير والسلطة مما خلق أزمات متكررة في الشرعية والصلاحيات وفي هذه الأثناء صعدت وسطع نجم حركة حماس التي تأسست عام 1987 كبديل مقاوم لنهج أوسلو ورفضت التسوية السياسية مع إسرائيل ما أدى إلى انقسام سياسي وجغرافي مستمر بين الضفة الغربية وغزة اليوم.

يثور تساؤل حاسم حول مستقبل النظام السياسي الفلسطيني بعد عباس إذ يجمع الرئيس الحالي بين الرئاسات الثلاث، السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير وحركة فتح ما يجعل القرار مركزيًا في شخص واحد ومع توقف الانتخابات منذ عام 2006 أصبح المشهد الفلسطيني رهين الجمود السياسي والدستوري، وعلى الرغم من مراسيم عدة أصدرها الرئيس عباس والتي كان آخرها بتولي نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية مهام رئيس السلطة الفلسطينية حال شغور المنصب ولو لفترة محدودة لحين القيام بإجراء الانتخابات خصوصاً في ظل غياب المجلس التشريعي إلا أن هذا المرسوم اعتبره الكثير من السياسيين والدستوريين بأنه مخالف للقانون الأساسي الفلسطيني الذي ينص على أنه حال شغور المنصب يتولاه رئيس المجلس التشريعي، علماً أن المجلس قد صدر قرار بحله من المحكمة الدستورية الفلسطينية منذ عام 2018.

إلا أنه في حال تولي النائب الرئاسة المؤقتة ومن ثم إجراء الانتخابات كما هو بالمرسوم الدستوري، فإن هذه الانتخابات من الممكن أن تكون نتائجها على عكس ما يتوقع والذي قد يؤدي إلى الفصل بين رئاسة السلطة ومنظمة التحرير وحركة فتح بعد مرحلة الرئيس الحالي وتؤدي إلى تضارب داخلي حاد في المرجعيات والصلاحيات لمكوناته الثلاث ويضع النظام السياسي أمام تحديات كبيرة في إدارة الوضع الداخلي والخارجي.

إن نشوء خلافات بين الجهات الثلاث المكونة للنظام السياسي في الضفة الغربية ليس مجرد احتمال بل ممكن أن يكون نتيجة طبيعية إذ قد يسعى كل طرف للحفاظ على نفوذه مما يؤدي إلى صراع داخلي على الشرعية والتمثيل وقد يمتد هذا الخلاف داخل فتح نفسها وقد تستغل إسرائيل هذا الانقسام لتعميق الأزمة الفلسطينية داخليًا وخارجيًا.

سياسيًا يحتاج المشهد الفلسطيني إلى ترتيب داخلي واضح وإعادة تحديد العلاقة بين المكونات الثلاث منظمة التحرير وحركة فتح والسلطة الوطنية الفلسطينية وتوحيدها لضمان إدارة متوازنة وفعالة بعد مرحلة الرئيس الحالي عباس سواء بفراغ دستوري أو بدون، وتحويل الانقسام إلى فرصة لتعزيز الوحدة الوطنية والحفاظ على شرعية المؤسسات وقدرة النظام على تمثيل الشعب الفلسطيني ويبقى السؤال مفتوحًا من قبل الكاتب، حول من سيقود النظام السياسي الفلسطيني بعد عباس وهل ستنجح المراسيم الدستورية الصادرة والقوى الفلسطينية في تجاوز الخلافات والتنسيق فيما بينها وتحديد شكل الخلافة، أم أن الانقسام داخل الجهات المكونة للنظام سوف يكون العنوان الأبرز لتحديد شكل ومستقبل المشروع الوطني الفلسطيني في قادم الأيام.

مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ