أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة جاهات واعراس مستثمرون شهادة الموقف مناسبات جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

البطوش يكتب: البودكاست... وسيلة تواصل أم وسيلة فتن؟


محمد البطوش

البطوش يكتب: البودكاست... وسيلة تواصل أم وسيلة فتن؟

مدار الساعة ـ

في زمنٍ تتسارع فيه وسائل الاتصال، ويتنافس الناس على بثّ أفكارهم عبر المنصّات المختلفة، ظهر “البودكاست” كأحد أبرز مظاهر الإعلام الحديث، الذي منح كل فردٍ منبراً وصوتاً يصل إلى آلاف المستمعين حول العالم، غير أنّ هذه الحرية المفتوحة جعلت من البودكاست سلاحاً ذا حدّين، يمكن أن يبني العقول أو يهدم القيم، يزرع الوعي أو ينشر الفتنة.

لقد تحوّل كثيرٌ من البرامج الصوتية إلى ساحاتٍ للتحريض والتشويه، يتخفّى أصحابها خلف شعارات الحرية والرأي، بينما يبثّون السموم في عقول الشباب، فيشوّهون الحقائق، ويطعنون في الثوابت الدينية والاجتماعية، ويثيرون الشبهات حول الرموز والمؤسسات، إنهم يصنعون فتناً فكرية بلهجة ناعمة وأسلوبٍ جذّاب، فيتسلّل الباطل إلى القلوب دون أن يُدرك السامع حجم الخطر، وغالباً من يقومون بهذه المقابلات ليسوا من أصحاب الخبرة، ومنهم من لم يدرس الإعلام، وبعضهم أهدافه فقط “ترند” وجذب الانتباه دون مسؤولية أو وعي.

إنّ خطورة البودكاست لا تكمن في التقنية ذاتها، بل في غياب الوعي لدى بعض المستمعين، وفي ضعف الضوابط الأخلاقية لدى بعض من يُقدّمون المحتوى. فحين تُترك المنصّات دون رقابة فكرية أو مهنية، يصبح الميكروفون أداة يمكن أن تهدم ما بناه المربّون والمفكرون عبر عقودٍ من الزمن.

لكن في المقابل، لا يمكن إنكار أن البودكاست يمكن أن يكون منارةً للنور، إذا أُحسن توجيهه واستُخدم لنشر العلم والثقافة والقيم الإنسانية. فبقدر ما هو خطر إذا تلوّث محتواه، يمكن أن يكون نعمة إذا حمل رسالة وهدفاً سامياً يخدم الناس ويقوّي وعيهم.

إنّ معركتنا اليوم ليست مع البودكاست، بل مع العقول التي تُسيء استخدامه، ومع المستمعين الذين يُسلّمون آذانهم دون تمييز. فليكن شعارنا الوعي قبل الاستماع، والتحليل قبل التصديق، والتمحيص قبل المشاركة.

فالبودكاست في النهاية ليس فتنة ولا هداية بحد ذاته، بل مرآةٌ تعكس ما في النفوس من نوايا، وما في العقول من أفكار، وتكشف من يستغل المنصات بلا علم، ومن يضع الترند فوق المسؤولية.

مدار الساعة ـ