مدار الساعة -من أعماق صخور قديمة ترقد في قلب الصحراء الأسترالية، خرجت قصة ربما تكون أقدم من القارات نفسها، صخور يبلغ عمرها 3.5 مليارات سنة، تحمل داخل طبقاتها الصامتة أثرا خافتا ولكنه بالغ القوة، أول دليل على الحياة على سطح الأرض.
هذه الأحافير المجهرية ليست مجرد بقايا صخرية، بل بصمة الحياة الأولى؛ اللحظة التي بدأ فيها الكوكب، الذي كان عالماً بدائياً قاسياً، ينبض لأول مرة بالكائنات الحية.فقد كشف باحثون في أستراليا عن صخور يعود عمرها إلى نحو 3.5 مليار سنة تحمل أقدم دليل معروف على وجود الحياة على كوكب الأرض. هذا الاكتشاف جاء بعد عقود من الجدل العلمي حول طبيعة التراكيب الصخرية الموجودة في منطقة بيلبارا بغرب أستراليا، والتي اعتقد البعض أنها مجرد تشكلات جيولوجية لا علاقة لها بالكائنات الحية.الدراسة الجديدة، المنشورة في مجلة جيوبيولوجي، أثبتت بشكل قاطع أن هذه التراكيب، المعروفة باسم الستروماتوليت، هي بقايا بيولوجية ناتجة عن نشاط البكتيريا الزرقاء، وهي كائنات مجهرية وحيدة الخلية قادرة على البناء الطبقي عبر إفراز مواد لزجة تجمع الرواسب على مدى ملايين السنين.في السابق، كان العلماء يشتبهون في أن هذه الصخور قد تكون مرتبطة بالبدايات الأولى للحياة، لكن غياب الأدلة المباشرة أثار كثيراً من الشكوك. أما الآن، فقد تمكن فريق بقيادة الدكتور رافائيل بومغارتنر من جامعة نيو ساوث ويلز من اكتشاف مواد عضوية محفوظة داخل حبيبات البيريت في هذه الستروماتوليتات، مما يثبت أصلها البيولوجي.وقال بومغارتنر: "للمرة الأولى نستطيع أن نؤكد أن هذه الستروماتوليتات تمثل أقدم دليل على الحياة على الأرض".لم يكن هذا الاكتشاف مجرد العثور على صخور قديمة، بل كان فتح نافذة على زمن لا يمكن تخيله، زمن كانت فيه الأرض عالما متغيرا يموج بالبراكين والمحيطات البدائية. عندما حلّل العلماء الستروماتوليت المكتشفة في بيلبارا، وجدوا مواد عضوية محفوظة بدقة داخل طبقات البيريت، وهي بقايا ميكروبية دقيقة بقيت حيةً في شكلها الكيميائي عبر مليارات السنين. هذا الدليل لم يكتفِ بتأكيد أصلها البيولوجي فحسب، بل كشف أسرار كيفية تشكل الحياة الأولى، كيف تكتلت الخلايا البدائية، وكيف بدأت تبني هياكلها الطبقية، وكيف تحوّلت من مجرد وجود ميكروبي بسيط إلى شرارة نشأت منها كل أشكال الحياةهذا الاكتشاف لا يغير فقط فهم العلماء لتاريخ الحياة المبكرة، بل يفتح آفاقاً جديدة للبحث عن الحياة خارج الأرض، خصوصا على المريخ. فقد أظهرت الصخور القديمة أن الحياة الأولى كانت ميكروبية وبسيطة، تماما مثل ما يتوقع العلماء أن يكون عليه شكل الحياة المحتملة على الكوكب الأحمر قبل مليارات السنين.لهذا السبب، زار باحثون من ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية منطقة بيلبارا مؤخرًا لدراسة طرق تتبع البصمات الحيوية في الصخور، بهدف تطبيقها في المهام الجيولوجية على المريخ. ويُعتقد أن فهم كيفية حفظ آثار الحياة القديمة هنا سيساهم مباشرة في تطوير أدوات بحث دقيقة هناك.أقدم صخور على الأرض تكشف أسرار نشأة الحياة!
مدار الساعة ـ











