تعرفت عن قرب على المفكر والسياسي الراحل عدنان أبو عودة، وكنت منذ أكثر من عشرين عامًا أتابع بشغف ندواته ومحاضراته ولقاءاته التلفزيونية التي تميزت بعمق التحليل ووضوح الرؤية واتساع الأفق. وعندما التحقت بمعهد السياسة والمجتمع قبل أكثر من أربع سنوات، وكان رحمه الله يرأس مجلس إدارة المعهد فيما كان الدكتور جعفر حسان مديرًا عامًا قبل انتقاله إلى الديوان الملكي مديرا لمكتب جلالة الملك عبد الله الثاني، أُتيح لي أن أجلس معه مطولًا، وأحيانًا على انفراد، لأتعلم من حكمته وسعة معرفته، وكيف يوظّف التاريخ والسياسة في قراءة الواقع وفهم تحوّلاته وبناء تقديرات مستقبلية دقيقة.

كان يحدّثني بتواضع ومحبة عن علاقته الخاصة بجلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه، الذي قرّبه منه بعد أن لمس فيه عقلًا تحليليًا متميزًا واطلاعًا واسعًا على الفكر والسياسة العالمية، خصوصًا من خلال قراءاته العميقة في مراكز الدراسات الاستراتيجية الغربية آنذاك.

وكان الملك الراحل الحسين يعقد اجتماعات أسبوعية يحضرها كبار المسؤولين، من بينهم مضر بدران مدير المخابرات آنذاك، وأحمد عبيدات ونذير رشيد وغيرهم، حيث كان كلٌّ منهم يعرض بإيجاز مستجدات ملفه.

وبعدهم، كان يأتي دور الأستاذ عدنان أبو عودة ليقدّم إحاطة تحليلية شاملة تربط الملفات ببعضها وتضعها في سياق مفاهيمي واستراتيجي أوسع Conceptual and comprehensive consultation with forward-looking strategies وهي الميزة التي جعلت الملك الحسين يثق به ويقرّبه ليكون من أبرز مستشاريه السياسيين وأكثرهم تأثيرًا.

لكن ما ميز عدنان أبو عودة لم يكن فكره وحده، بل أيضًا نزاهته ونظافة يده وزهده في الدنيا؛ فقد ظل بيته المتواضع في صويلح على حاله حتى وفاته، شاهدًا على تواضع رجلٍ عاش كبيرًا بالفكر لا بالمظاهر، وبقي مخلصًا لمبادئه حتى آخر يوم في حياته.

لقد تعلمت منه الكثير كيف تُقرأ السياسة بمنظار التاريخ، وكيف يُبنى التحليل على الفهم العميق لا على الانفعال، وكيف تُصاغ الرؤية الاستراتيجية بوعي شامل ومسؤول.

ترك فيّ وفي معهد السياسة والمجتمع إرثًا فكريًا وإنسانيًا نبيلًا سيبقى مصدر إلهامٍ لكل من آمن بأن الفكر النزيه هو أسمى أشكال الخدمة العامة.