أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات مغاربيات دين بنوك وشركات خليجيات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

الحواتمة يكتب: لماذا يرفض الأردنيون انتظار الشكر من أحد؟ الإجابة في التاريخ


المهندس محمد العمران الحواتمة

الحواتمة يكتب: لماذا يرفض الأردنيون انتظار الشكر من أحد؟ الإجابة في التاريخ

مدار الساعة ـ

قد لا تجد أسمى من بطولة العمل الصامت ، التضحية التي لا ترفع عينها التماساً لثناء ، بل تكتفي بترديد عهدها بينها وبين خالقها . هذا هو الميثاق الذي وُلدنا عليه في هذا الحمى الأردني العظيم . أنا محمد العمران الحواتمة ، ابن لواء ذيبان ، من سلالة قبيلة بني حميدة الأبية ، التي تتشابك عروقها مع كل قبائل الأردن التي نفتخر بها ، من أقصى الشمال في هضاب حوران في اربد إلى حيث تعانق مياه عروس البحر الأحمر الساحل في العقبة . نحن جميعاً أهل وأنساب ودرع واحد ، وجميعنا أبناء هذا التراب الذي لم يقدم دفاعاً عن الأمة والقدس والأقصى إلا الغالي والنفيس ، بلا حساب أو منة . لم يكن الأردن يوماً ضيفاً على قضية فلسطين ، بل هو عمقها وسندها ، لم ينتظر شهادة تقدير على ما بذل ، فالقضية ليست مسألة أخذ ورد ، بل هي عقيدة متجذرة في وجدان كل أردني .

منذ انطلق طوفان الألم في السابع من أكتوبر، لم تكن متابعتي للأخبار باليوم بل بالساعة، والقلب يرتجف وجعاً لا يهدأ . في بلدتي ، رأيت الرجال يهرعون للتبرع ، والأطفال يفرغون مدخراتهم ، ورأيت نساءنا الباسلات يبعن ذهبهن المخزون ، ليس عن لزوم ولا عن رياء ، بل عن إيمان مطلق بأن غزة جزء من كياننا ، وأن ما نقدمه هو دين مقدس لا يكتمل إيماننا إلا به . هذا الشعور ليس وليد اللحظة ، بل هو امتداد طبيعي لروح الفداء المتأصلة فينا . وفي خضم هذا المد العارم من العطاء ، كان لسان حال القيادة الهاشمية والشعب العظيم يقولان بصدق لا يُضاهى : "ما زلنا مقصرين" . أي قامة هذه التي تعطي كل هذا ولا تزال ترى نفسها مقصرة ! هذا هو الفرق بين الواجب وبين المنّة . إن الأردن لم يكن ليتوارى خلف الأقوال ، فالمستشفيات الميدانية في غزة وفلسطين تقف شامخة كشاهد لا ينكر، تُدار بأيد أردنية مُباركة من نشامى الخدمات الطبية في جيشنا العربي . وعندما أغلقت الطرق ، جاء الرد العسكري الهاشمي حاسماً ، حيث اخترق سلاح الجو الملكي الحصار بطائراته التي ألقت المساعدات من السماء، فكانت أول دولة تفعلها ، في تحدٍ مهيب للقيود ، ليلاً نهاراً ، متحدين كل خطر . والهيئة الخيرية الهاشمية لم تتوقف عن دفع قوافل العون البرية ، وكأنها نهر لا ينضب ، يصب في شريان غزة . هذه ليست أفعال من يبحث عن مجد، بل هي أفعال من يرى الواجب أمراً مقدساً لا مجال للمساومة عليه .

إن تاريخنا مع القدس لم يُكتب على الورق ، بل بمداد الدم الزكي . آلاف الشهداء من أجدادنا رووا بدمائهم ثرى فلسطين، وهذا الدم هو العهد الأبدي . ومن ينس التاريخ ، فليتذكر الموقف التاريخي الملحمي للمغفور له بإذن الله الحسين بن طلال ، عندما وضع كرامة الأمة كشرط أساسي لنجاة خالد مشعل من محاولة الاغتيال ، فما كان منه إلا أن شرط على الصهاينة إحضار ترياق علاجه فوراً ، متحدياً جبروتهم بصوت الكبرياء ، ليتبعه بإخراج الشيخ أحمد ياسين من سجونهم . هذا الموقف كان ترجمة حية لجوهر الوصاية الهاشمية على المقدسات ، وشهادة على أن الكرامة الوطنية والقومية هي الأساس الذي لا يمكن التنازل عنه قيد أنملة . هذا الثبات على المبدأ هو الذي يفسر لماذا نرفض الشكر اليوم . نحن لم نعمل من أجل الثناء بالأمس ، ولن نفعله اليوم .

وعندما تصلني التساؤلات، من نوع: " لماذا لم يشكرنا فلان أو هذه النوعيات التي تخرج؟"، أقف شامخاً وأقول بصدق كل أردني : أنا شخصياً لا أنتظر منهم شكراً . فغايتنا ليست كلمة تقال أو ثناء يمنح ، بل الغاية هي أن تبقى الراية مرفوعة ، وأن تظل غزة صامدة ، وأن يبقى الأقصى حراً عربياً تحت الوصاية الهاشمية . نحن نعمل لأجل عهد الأجداد ، ووفاءً للشهداء ، وطاعةً لأمر إلهي ووطني ، وقناعة بأننا نحن الجدار والسقف لفلسطين . هذا العطاء هو شرف بذاته ، ولا يحتاج إلى من يشهد عليه . حفظ الله أردننا الأبي وقيادتنا الهاشمية التي تضرب أروع الأمثلة في الصدق والثبات، في ظل صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين ، وحفظ شعبنا الذي لا يعرف التخاذل ، وجيشنا العربي المصطفوي الباسل وأجهزتنا الأمنية الساهرة .

مدار الساعة ـ