مدار الساعة - كتب: السفير السابق د. علي كريشان -في يومٍ حافل بالرمزية والمشاعر الصادقة، استقبلت العاصمة الأردنية عمّان، الأربعاء 17 ايلول 2025، ضيفاً كبيرا و عزيزاً يحمل على عاتقه هموم الأمة العربية وفي سياسته ثقلها، إنه صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر، في زيارة رسمية استثنائية ستُسجّل في سفر التاريخ كمنعطفٍ سياسي وإنساني عميق، جاءت في أعقاب الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على دولة قطر، لتحمل في طياتها رسائلَ أخوية وقومية ودولية وإستراتيجية واضحة.
لم تكن هذه الزيارة مجرد محطة دبلوماسية روتينية في جدول زعيمين، بل كانت بمثابة جزء من "الردّ الحضاري" على محاولات آثمة للنيل من السيادة العربية. فبعد أيام فقط من الاعتداءات الإسرائيلية على دولة قطر الشقيقة، اختار صاحب السمو الشيخ تميم أن تكون المملكة الأردنية الهاشمية المحطة الأولى، في إشارة واضحة إلى مكانة الأردن التاريخية و الراسخة كقاعدة صلبة للعروبة ومحور للثقة والتضامن العربي الأصيل.الاستقبال الشعبي والرسمي الكبير الذي حظي به سموه كان تعبيرا بلسان حال الشعب الأردني كله، الذي خرج بوفودٍ عفوية من ممثلي العشائر والوجهاء والشباب الأردنيين للترحيب بـ "أمير العزّة" كما أطلقوا عليه، مؤكدين أن اي اعتداءً على أيّ جزء من الجسد العربي هو اعتداء على الكل، وأن الدوحة وعمّان تربطهما رابطة المصير الواحد.لكنّ اللحظة الأكثرَ حميمية ورمزية في هذه الزيارة كانت حينما منح جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم ، أخيه صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد، "قلادة الحسين بن علي" أرفع وسام في المملكة الأردنية الهاشمية.هذه القلادة ليست قطعةً من معدنٍ ثمين فحسب، بل هي قصة فروسية نُسجت بخيوط من التاريخ والنضال. إنها تحمل اسم مؤسس النهضة العربية الكبرى، الشريف الحسين بن علي، الذي قاد ثورة العرب ضد الاحتلال طلباً للحرية والوحدة. منحُ هذه القلادة لسمو امير قطر في هذا التوقيت بالذات هو رسالةٌ للعالم أجمع مفادها أن روابط الدم والتاريخ التي نسجها الهاشميون مع قادة والزعماء العرب وأبنائهم وأحفادهم هي أقوى من أي عدوان خارجي. إنها تذكير بأن نضال الأمس ضد الاستعمار هو ذاته نضال اليوم ضد الاحتلال والعدوان على الأرض والسيادة.هذه القلادة تكرّم زعيما وأميرا عربيا شابا هو سمو الشيخ تميم، الذي وقف بشجاعة وبطولة واقدام في وجه العدوان، وهي تكريم لدولة، قطر، الدولة التي ترفع راية الحق والقضية الفلسطينية، وتعيد الربط بين ماضي الأمة المجيد وحاضرها الصعب وأملها المستقبلي. إنها حلقة وصل بين ثورةٍ قادها هاشمي، وموقفٍ تاريخي يقوده الأمير القطري، في وحدةٍ مصيرية واحدة.ان المعاني الرمزية العميقة التي تحملها هذه الزيارة لها أبعاداً إستراتيجية بالغة الأهمية:فهي تعبر عن التضامن في مواجهة العدوان: الزيارة تؤسس لمرحلة جديدة من التنسيق الأمني والسياسي بين البلدين لمواجهة التحديات والمخاطر التي تستهدف الأمن القومي العربي، خاصة مع استمرار السياسات الإسرائيلية التصعيدية والتوسعية.تعزيز محور الاعتدال: في منطقة تعجّ بالفوضى والصراعات بالوكالة، فإن تقوية محور الدول العربية المستقرة والمؤثرة (مثل قطر والأردن ومصر) أصبح ضرورةً حتمية لخلق توازن قوى يحمي المصالح العربية.كما انها تعبر التكامل الاقتصادي بين البلدين الشقيقين، من المتوقع أن تفتح الزيارة القطرية التاريخية آفاقاً جديدة للتعاون الاقتصادي والاستثماري بين البلدين الشقيقين ، خاصة في مجالات الطاقة، البنية التحتية، والأمن الغذائي، مما يعزز من قدرتهما على مواجهة التحديات المعقدة.ان هذه الزيارة بمثابة رسالة طمأنة للشعبين الشقيقين الأردني والقطري بأنهما ليسا وحيدين، وبرسالةٍ للامة العربية و للعالم باسرة بأن المشروع العربي القائم على السيادة والكرامة لا يزال حياً.من المؤكد ان زيارة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد امير دولة قطر إلى الأردن ، وتكريمه بقلادة الحسين بن علي، هي أكثر من حدث سياسي . إنها نتاج تفاعل سياسي يجسّد معنى الأخوة العربية الحقيقية الذي يعلو فوق الخلافات الظرفية. ان الزيارة هي إعادة إحياء لروح "التضامن العربي" في زمننا المعاصر، حيث يتصدّر الزعيمان الكبيران عبدالله و تميم بكل شجاعة وبسالة للدفاع عن كرامة أمتهم وأرضهم. إنها رسالة من عمّان، حصن العروبة، إلى الدوحة، قلعة الصمود، مفادها: أنتم لستم وحدكم.. ونحن معكم بكل ما أوتينا من قوة وإرث وتاريخ.السفير كريشان يكتب: سمو الشيخ تميم في عمّان.. وقفة أخوية وقلادة تروي قصة صدقٍ عمرها مئة عام

مدار الساعة ـ
زيارة تاريخية في زمن العاصفة: صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد امير دولة قطر الشقيقة في عمّان