خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، حفظه الله، في القمة العربية الأخيرة، لم يكن مجرد كلمات بروتوكولية أو خطابًا اعتياديًا، بل كان صوت الحق، ورسالة تاريخية، جسدت بصدق ما تريده الشعوب العربية قاطبةً، بكل معنى الكلمة.

حين قال جلالته: "يجب أن يكون ردُّنا واضحًا، حاسمًا، ورادعًا"، كان يضع القادة أمام مسؤولياتهم، ويرسم بوضوح خطًا فاصلًا بين المواقف المترددة وبين الحسم المطلوب، بين الاكتفاء بالشعارات وبين اتخاذ القرار الذي يليق بكرامة الأمة، فكل كلمة نطق بها حملت معنى عميقًا، ورسالة قوية، لا تقبل التأويل أو التردد.

لقد عبّر جلالته عن الضمير العربي بأجمعه، وعن صرخة الملايين التي ضاقت ذرعًا بالمجاملات والاستنكارات، مطالبةً بانتقال الموقف العربي من دائرة ضيق الأقوال إلى ساحة رحابة الأفعال... إنه خطاب يختزل رؤية استراتيجية، تؤكد أن الردع لا يكون إلا بالوحدة، وأن الحسم لا يتحقق إلا بالموقف الجماعي الذي يحفظ للأمة هيبتها، ويصون حقوقها وقضاياها، وعلى رأسها ومقدمتها القضية الفلسطينية.

خطاب جلالته لم يخاطب الرؤساء فقط، بل كان حديثًا موجهًا للشعوب قبلهم، فبعث فيهم الأمل، وأعاد الثقة، ليخبرهم بأن صوت الأردن سيبقى كما عهدتموه، صوت الحق والعدل، وصوت الأمة كلها في مواجهة التحديات، وصونًا للكرامة، وحمايةً للمستقبل... وكما كان الخطاب رسالة للأشقاء، فإنه أيضًا رسالة للعدو الإسرائيلي، ليسمعهم أننا قادرون على الدفاع عن أمتنا وبلادنا، وردّ الصاع صاعين بكل قوة وحزم...فليعلم الجميع أن عزتنا وكرامتنا خط أحمر لا يُمس، وفي الوقت نفسه، هي رسالة تبعث القوة والمنعة والطمأنينة في قلوب الشعب الأردني الأبي، وتؤكد للعالم أجمع أن الأردنيين أهل العزة والكرامة والشموخ، مستعدون للدفاع عن أرضهم وقضاياهم، وصون الأمن والاستقرار الإقليمي، بكل ما يملكون من إرادة وصلابة.