أطلّ جلالة الملك عبدالله الثاني في القمة العربية الإسلامية الطارئة من الدوحة بخطاب حمل سمات تجمع بين الدولة القوية، وملامح الزعامة العربية الوازنة والواعية لطبيعة ما يشهده الإقليم من تحولات وتحديات خطيرة.
المتمعن جيدًا في الخطاب الملكي يلحظ أنه أعاد تعريف معادلة الردع في ظل فراغ النظام الدولي، وتراخي الإرادات السياسية العالمية تجاه سلوك دولة الاحتلال الإسرائيلية، الذي تجاوز كل القيود والأعراف والقوانين الدولية والإنسانية.جلالة الملك، انتقل في هذه الكلمة الغاضبة من منطق التحذير إلى الإدانة الفعلية والتوصيف الاستراتيجي لطبيعة الخطر، بتسميته الأمور بأسمائها، ومُحمّلًا المجتمع الدولي مسؤولية مباشرة عن تمادي إسرائيل، خاصة حينما قال بوضوح: "لأن المجتمع الدولي سمح لها أن تكون فوق القانون".واللافت في الخطاب الملكي أنه وجّه دعوة عميقة لمراجعة أدوات العمل العربي والإسلامي المشترك، حيث تتجلى في ذلك ميزة التفكير الملكي المتقدم، لإعادة تأطير الموقف داخل رؤية استراتيجية تطلب إعادة هندسة المنظومة العربية ذاتها، وهو ما عبّر عنه الملك بعبارة تنطوي على بُعد استنهاضي: "علينا أن نراجع كل أدوات عملنا المشترك"، حيث تُعد هذه العبارة بمثابة صرخة لإعادة بناء الموقف السياسي العربي بأكمله، ليكون قائما على قاعدة الردع لا على الاحتجاج فقط، وعلى أساس حماية الأمن الجماعي لا التضامن العابر فقط.الخطاب الملكي شكّل نموذجًا لما يجب أن يكون عليه الموقف السيادي الواعي، حيث امتزجت في كلمته القيم مع الحقائق، والمبادئ الثابتة مع المصلحة، بعيدًا عن الشعارات.كما أن تأكيد الملك على أن "أمن قطر أمننا، واستقرارها استقرارنا"، ما هو إلا تأكيد وترسيخ حقيقي لمفهوم الأمن العربي التبادلي والتشاركي، ويتجاوز منطق الجغرافيا إلى موقف المصير العربي الإسلامي الواحد.ولعلّ أهم ما جاء في مضامين الخطاب، التحذير الملكي من أن "التهديد الإسرائيلي ليس له حدود"، وهي عبارة تعني أن الغطرسة الإسرائيلية خرجت من نطاق دولة فلسطين المحتلة لتتجاوز كل الخطوط السيادية للدول، مما يُحوّل الخطر إلى قضية أمن قومي عربي شامل.كما إن الخطاب أعاد توجيه البوصلة العربية نحو فهم جديد لمعادلات القوة والردع، ويطرح من حيث يدري أو لا يدري سؤالًا وجوديًا على بنية النظام العربي: هل نملك فعلًا أدوات الردع؟ وإن كنا نملكها، فلماذا لا نستخدمها؟ وبهذا المعنى، يصبح خطاب الملك صوتًا للأردن، وصرخة ضمير للأمة كلها، يضعها أمام مسؤولياتها الأخلاقية والتاريخية، ويُعيد تذكيرها بأن البيانات والاستنكارات وحدها لا توقف عدوانًا متغطرسًا ومستمرًا، وأن الردع لا يكون إلا إذا كان الرد قويًا، وواضحًا، وملموسًا، وحاسمًا، ورادعًا.إن القراءة والتحليل العميق لهذا الخطاب يكشف عن مدى الفكر السياسي الناضج والمتماسك لجلالته، ويكشف أيضًا عن إرث أردني لا ينفصل في دعم القضايا العربية، لكنه في ذات التوقيت ينقل هذا الإرث من خانة الموقف الأخلاقي إلى مجال الفعل والعمل السياسي المسؤول.حقيقةً، إن مضامين خطاب الملك تُعد بمثابة وثيقة سياسية تتجاوز سياقها الآني، وتشكل أساسًا في قراءة أوسع لفكر جلالة الملك عبدالله الثاني، بوصفه زعيمًا عربيًا هاشميًا يدرك أن الوقت الراهن لا يقبل الخطابات التقليدية، وأن السيادة لا تُستجدى، وإنما تُحمى بالوعي، والوحدة، والتكاتف، والرد المدروس.
مراشدة يكتب: الملك يحسم من الدوحة: لا أمن بلا ردع
د. زيد مُعين المراشده
* - أكاديمي ومحامي ومستشار قانوني. - أستاذ القانون المدني المساعد.
مراشدة يكتب: الملك يحسم من الدوحة: لا أمن بلا ردع

د. زيد مُعين المراشده
* - أكاديمي ومحامي ومستشار قانوني. - أستاذ القانون المدني المساعد.
* - أكاديمي ومحامي ومستشار قانوني. - أستاذ القانون المدني المساعد.
مدار الساعة ـ