أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين مجتمع أحزاب أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة مناسبات مستثمرون الموقف شهادة جاهات واعراس جامعات بنوك وشركات دين اخبار خفيفة رياضة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

الحسبان يكتب: الفرصة الأخيرة


فهد الحسبان

الحسبان يكتب: الفرصة الأخيرة

مدار الساعة ـ

من عمّان تبدأ الحكاية، حيث ينهض الأردن بدوره التاريخي في حماية الهوية العربية وصون القضايا المركزية للأمة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. لم يكن هذا الموقف عابرًا، بل هو امتداد لإرث قومي عميق تَشكّل عبر عقود، وأثبت أن الأردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني لا يساوم على الثوابت ولا يتراجع أمام الضغوط، بل يقدّم نموذجًا للثبات والصمود حين تضعف المواقف وتتهاوى الإرادات.

لقد كان صوت جلالة الملك عبدالله الثاني هو الأكثر وضوحًا وجرأة في الدفاع عن فلسطين، في مواجهة الاحتلال ومخططاته. تحدث مبكرًا عن مخاطر التوسع الإسرائيلي، وعن خطورة مشروع الضم، وعن جريمة تجويع أهل غزة وإبادة المدنيين، وعن الانتهاكات المتكررة للمواثيق الدولية. هذا الصوت لم يكن مجرد خطاب، بل كان فعلًا يُترجم في كل الساحات، في المحافل الدولية كما في الميدان، ليبقى الأردن رمزًا لصمود الأمة ودرعها الحامي.

ومن الدوحة، التي استُهدفت بغارات إسرائيلية في محاولة خسيسة لاغتيال الوفد المفاوض، ينهض سؤال أكبر عن السيادة العربية المهدورة. كيف تُستباح الأجواء وتُقصف العواصم دون أن يكون هناك ردع عربي موحّد؟ إسرائيل تجاوزت فلسطين لتضرب في سوريا ولبنان واليمن، وتعمل على فرض مشروعها الأكبر الذي أعلن عنه نتنياهو صراحة: ابتلاع الضفة الغربية، تهويد القدس، وإنهاك الشعب الفلسطيني بالتجويع والحصار حتى الاستسلام والتهجير. هذه ليست سياسات آنية، بل خطة ممنهجة لإعادة تشكيل المنطقة على حساب الأمة العربية كلها.

في مواجهة هذا الخطر الوجودي، يترقب الشارع العربي من قمة الدوحة اليوم ما هو أكبر من البيانات التقليدية. المواطن العربي، الذي أنهكته الهزائم والانقسامات، لا يحلم بأقل من ولادة مشروع عربي متكامل. مشروع يعيد للعرب ثقتهم بأنفسهم، ويحوّل الغضب الشعبي إلى فعل سياسي واقتصادي وعسكري منظم. فالأمة اليوم أمام لحظة تاريخية، إما أن تستعيد وحدتها وسيادتها، أو أن تترك المجال مفتوحًا لمشروع التوسع الإسرائيلي على حساب حاضرها ومستقبلها.

المخرجات التي يحلم بها المواطن العربي واضحة: ميثاق دفاع عربي مشترك يجعل من أي اعتداء على دولة عربية اعتداءً على الجميع، وحظر جوي وتجاري شامل على إسرائيل يُغلق الأبواب أمام آلة الحرب والتمويل. إلى جانب ذلك، اتفاقية تجارية اقتصادية عربية مشتركة تعزز التكامل، وتمنح شعوب المنطقة شعورًا بأن وحدتهم ليست حلمًا شعريًا بل واقعًا ملموسًا. هذه الخطوات ليست رفاهية سياسية، بل هي الضمانة الوحيدة لبقاء العرب قوةً قائمة بذاتها، لا مجرد ساحات نفوذ تتقاسمها القوى الكبرى.

والأهم من كل ذلك أن يدرك القادة أن دعم مواقف الأردن ومصر ليس خيارًا تكتيكيًا بل هو ركيزة لصمود عربي شامل. فمن عمّان إلى القاهرة، ارتسم خط الدفاع الأول عن فلسطين وعن السيادة العربية. ما يحتاجه العرب اليوم هو أن يلتفوا خلف هذه المواقف، وأن يحوّلوا الصمود الفردي إلى جدار عربي موحّد لا تُخترق حصونه.

قد اكون حالماً بانها بالفعل الفرصة الأخيرة. فقمة الدوحة قد لا تُعيد الزمن إلى الوراء، لكنها قادرة أن تصنع غدًا مختلف.

مدار الساعة ـ