تشهد الساحة النيابية الأردنية في هذه الفترة استعدادات واضحة للانتخابات الداخلية التي تشمل اختيار رئيس مجلس النواب وأعضاء المكتب الدائم. ويأتي هذا النشاط في الشهر الذي يسبق دستورياً انعقاد الدورة العادية لمجلس الأمة، بما يجعل منه جزءاً من متطلبات الانتظام الدستوري والنيابي في الدولة.
وفقاً لأحكام الدستور الأردني، فإن مجلس النواب يُعد الغرفة الأولى في السلطة التشريعية، ورئاسته تمثل موقعاً محورياً في رسم اتجاهاته التشريعية والرقابية. وتكمن أهمية هذا الموقع في كونه ليس مجرد منصب إداري، وإنما موقع له أبعاد سياسية ودستورية، إذ يُناط به إدارة الجلسات، وتنظيم عمل المجلس، والتأثير في أولوياته التشريعية، فضلاً عن تمثيله للسلطة التشريعية أمام باقي السلطات.من الناحية الحزبية، تبرز أهمية أن تُدار عملية الترشيح داخل الأطر المؤسسية للأحزاب ومكاتبها السياسية ، بحيث تلتزم الكتل الحزبية بترشيح شخصية واحدة لموقع الرئيس أو / أو اعضاء المكتب الدائم، انسجاماً مع مبادئ الانضباط الحزبي. فالتعدد في الترشيحات من الحزب ذاته قد يؤدي إلى إضعاف الموقف الحزبي، وإلى تشتيت الصوت النيابي، بما ينعكس سلباً على صورة الحزب أمام الرأي العام والشارع ، ويُضعف من مكانته في المجلس. في المقابل، يُمكن للأحزاب الوسطية أو الكتل النيابية المتقاربة أن تُنظم صفوفها وتتوحد خلف مرشح واحد، وهو ما يعزز فرصها في الوصول إلى رئاسة المجلس والمواقع المؤثرة داخل المكتب الدائم.اما مشاركة أحزاب المعارضة، وخصوصاً حزب جبهة العمل الإسلامي، الذي يُنظر إليه تاريخياً باعتباره الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين. فبعد قرار حل الجماعة في ربيع هذا العام، تراجعت فرص الحزب في المنافسة على رئاسة المجلس أو حتى الوصول للمكتب الدائم الأمر الذي قد يدفعه إلى الاكتفاء بدور “صانع الرؤساء” داخل أروقة البرلمان، مستثمراً ثقله العددي الذي يناهز الثلاثين نائباً لترجيح كفة مرشح على حساب آخر. هذا الدور، وإن لم يصل إلى مرحلة التنافس المباشر على الرئاسة، إلا أنه سيجعل للحزب دور في المعادلة النيابية بوجهة نظر الكاتب .وبالمنظور دستوري، فإنّ هذا الاستحقاق يتجاوز البعد الإجرائي إلى بُعد أعمق يتصل بترسيخ الحياة الحزبية وتطويرها. فالأحزاب البرلمانية مطالبة بإظهار قدرتها على الانتظام والتماسك، وإثبات جدارتها في قيادة العمل النيابي بشكل يعكس الانتقال من الفردية إلى المؤسسية. أما من الناحية السياسية، فإن نجاح المجلس في إنتاج قيادة متوازنة وداعمة للديمقراطية سيعزز مكانة السلطة التشريعية ويجعلها شريكاً حقيقياً في معادلة الحكم، وهو ما نطمح إليه جميعاً لتعزيز مسيرة الإصلاح السياسي لدينا.
ابو دلو يكتب: المكتب الدائم والأحزاب
مدار الساعة ـ