أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية الموقف شهادة مناسبات مستثمرون جاهات واعراس جامعات مغاربيات خليجيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة الأسرة طقس اليوم

معنى الوطن في عيون زينه عبد الهادي راجي


عبدالهادي راجي المجالي
abdelhadi18@yahoo.com

معنى الوطن في عيون زينه عبد الهادي راجي

مدار الساعة ـ

تعودت أن أقول لها بالكركية الفصحى: (ابنيتي)، وسجلت رقمها على هاتفي أيضا (ابنيتي)، زينه سكر العمر كله، وتعبي الجميل...

سأقول لكم ما هو الوطن عندي، هو رنة (جرس الباب) يخطرني أن زينة عادت من الجامعة، وأجمل كلمة تطرق باب قلبي هي: (مرحبا بابا)، ثم تدخل غرفتها.. وأسمع طقطقات حذائها على البلاط، هي لا تمشي على البلاط أبداً، أشعر من اللحظة التي دخلت فيها الباب ..بأنها صعدت على كفي.. مرت من على زندي وعبرت بأقدمها من على أكتافي، ثم هبطت على يدي اليمنى.. تماما مثل حمامة شوق.. ثم دخلت غرفتها.. الوطن لدي هو زينه التي مرت فوق أكتافي.

والوطن عندي هو طقطقات الملعقة في الصحن، وهي تتناول الغداء.. ذاك ليس صوت ارتطام الملعقة بالصحن، هذا صوت حفيف الشجر في الكرك، وصوت الريح وهي تصفر في بلادي، هذا صوت ربابة أرخت اللحن على جبل في رم، فكان من الجبل أن غرق في الحزن والدمع.

الوطن عندي هو غضبها حين تهاتفني في المساء، وتقول لي: (ليش طلعت بدون ما تترك إلي مصاري)، لقد واجهت في حياتي (40) قضية مطبوعات ونشر ووقفت أمام كل القضاة، ضربت وهمشت.. وصودر قلبي، ما خفت يوما من قرار مثلما خفت من ذاك الغضب في صوتها، إن صوتها هو القرار وهو القضية.. وأنا الحبيس بين انعطاف الواو على التاء، وبين تنهيدتها وبين (الأووووف) التي تطلقها، أصبح مثل أسد بلا أنياب ولا مخالب.. أسد تغتاله غزالة، منذ متى كانت اللغة العربية على لسانك رمحاً، والغضب نصل سيف، والتنهيدة طلقة.. منذ متى يا زينه؟

والوطن عندي؛ حينما تأتيني في الليل وتخبرني أن يدها تؤلمها...

قلبي يؤلمني لحظتها، وأحاول أن أشتري وجعها بدمي.. أحاول أن أقوم بصياغة عقد تجاري معها، عقد يلزمها أن تقبل دمي ثمنا لوجعها، يا ليت لو أن الوجع يشترى يا ابنتي لقبلت أن أمشي ما تبقى لي من عمر على الجمر... مقابل ألا يمس الخد الأردني هذا.. لسعة هواء بارد ..

والوطن عندي...

تلك الإغفاءة على صدري، حين تريد شيئا أتردد في منحها اياه.. أشعر لحظتها بأن الشام غفت على صدري، أشعر أن بلقيس حملت اليمن على كفيها واستلقت هي ومأرب على صدري... أحس بدجلة الخير والحياة يفيض على كل جسدي ...والجواهري امتطى زورقا فوق الفيضان وكانت قوافيه القارب..

زينه هي الوطن والوطن عيونها...

نحن يا ابنة الفجر وابنة القمح والتراب الحر.. نحب وطننا لأننا نريدكم فيه أحراراً، نريدكم فيه سنابل قمح تنمو عجرفة على القحط، وتمنح الخبز لكل جائع.. نريدكم أن تسيروا أسيادا بالفكرة والمعتقد والنهج.. لا عبيدا لأحد، ولا خانعين ولا منقادين لفكرة فرضت عليكم.. تريدكم أن تقلبوا للعالم ظهر المجن، إن حاولوا تزييف الحقيقة، أو اغتيال الهوية والضمير ..

نحن نرى الأردن في جديلة بناتنا وفي عيون أولادنا.. في تراب إربد ووجه الكرك، في وجد السلط، وحنين المفرق.. في الطفيلة، وارتعاشة الرمل حين يداعبه صبا معان الأبية.. ونريد أن تكون (ف ل س ط ين) في كل ذلك.

ذات يوم يا ابنتي..

وحين تأتيني ساعة الرحيل، وأحمل جسدا مسجى.. وتذهبون بي لتراب الكرك الأغر وليس بغير هذا التراب يعمد الحر.. وحين تدخلونني مسكني الأخير ومستقري، وتقرأون عليَّ الفاتحة... وتأتيني بعض الحساسين تخفف عني وحشة القبر، وتمر صبية في عمر الأقحوان، ثم تقرأ اسمي على الشاهد وتتذكر مقالا أو مشهدا لي، وتقرر أن تسكب بعض الماء على قبري.. تذكري يا ابنتي يا أول عشق وآخر عشق واحلى وطن تذكري أن والدك في اللحظة الصعبة، في اللحظة التي صارت فيها الوطنية.. تقاس على ميزان المصلحة (بالكيلوا غرام)، في اللحظة التي صار البعض يعتقد فيها أن حب الأردن يعني شتم البندقية والقذيفة والعبوة...في اللحظة التي التبست فيها خيارات الدولة وتاهت البوصلة ، تذكري أن والدك بالرغم من جنونه وعثراته.. بالرغم من نزفه ودموعه، بالرغم من كل ما أنتج من جنون؛ تذكري أنه في اللحظة الحاسمة كان مع (ف ل س ط ين)..: كان مع ( ف ل س ط ين).. كان مع (ف ل س طين).. كان مع (ف ل س ط ين).

مدار الساعة ـ