الصحافة كحق من حقوق الإنسان ولها أبعاد يقوم القانون الدولي في حمايتها وخصوصاً في ضوء ما يجري في فلسطين.
اذ تُعد حرية الصحافة أحد الركائز الجوهرية لحقوق الإنسان، وهي تجسيد فعلي للحق الأوسع في حرية الرأي والتعبير. وقد أكدت أغلب الدساتير في مختلف النظم السياسية، على اختلاف معايير الحريات فيها، على ضمان هذه الحرية وحمايتها، باعتبارها أداة أساسية لتمكين الشعوب من معرفة الحقائق وممارسة الرقابة على السلطة وحماية قيم الديمقراطية.وعلى الصعيد الدولي، فالقانون الدولي حمى الصحافة ، ووفّرت المواثيق الأساسية لحقوق الإنسان إطارًا قانونيًا صلبًا لحماية حرية الصحافة، إذ نصّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 في مادته التاسعة عشرة على حق كل شخص في حرية الرأي والتعبير، بما يشمل حرية اعتناق الآراء واستقاء الأنباء ونقلها بأي وسيلة. كما كرّس العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 في مادته التاسعة عشرة ذات المضمون، مع إمكانية فرض قيود محددة بالقانون وضرورية لحماية الأمن أو النظام العام أو حقوق الآخرين.لكن التحدي الأكبر أمام هذه المبادئ يظهر في أوقات النزاعات المسلحة والحروب ، حيث تصبح مهنة الصحافة محفوفة بالمخاطر إلى حد الفقدان الفعلي للحماية على أرض الواقع وتعرض حياة الصحفيين للخطر وفي هذا السياق، تكشف مأساة الصحفيين في فلسطين، وخصوصًا في قطاع غزة هذه الأيام ، حجم الانتهاك الممنهج الذي يتعرض له الصحفيون. فبعد مرور اثنين وعشرين شهرًا على العدوان المتواصل على القطاع، تجاوز عدد الصحفيين الذين استشهدوا 234 صحفيًا، يسبقهم في الضفة الغربية قبل اغتيال الشهيدة شيرين أبو عاقلة عدد آخر كبير، وصولًا إلى الشهيد محمد قريقع في غزة، ولن يكون الأخير في ظل استمرار النهج ذاته.إن السؤال الجوهري هنا يتعلق بدور المجتمع الدولي، وخاصة المنظمات المعنية بحقوق الإنسان وحماية الصحفيين، إزاء هذه الانتهاكات الممنهجة التي تهدف إلى منع نقل الحقيقة للعالم عن العدوان الغاشم، الذي يستهدف المدنيين العُزّل من أطفال ونساء وشيوخ، ويطال الحجر والبشر على حد سواء. وأين تكمن مسؤولية هذه الجهات في توفير حماية فعلية للصحفيين، الذين لا يملكون في مواجهة آلة الحرب سوى الكاميرا كوسيلة لتوثيق الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية؟القانون الدولي الإنساني وفّر حماية واضحة للصحفيين، حيث نصّت اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 على حظر الاعتداء على الحياة والسلامة الجسدية للمدنيين، بمن فيهم الصحفيون. وجاء البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1977 ليعزز هذه الحماية في مادته التاسعة والسبعين، مؤكدًا أن الصحفيين الذين يؤدون مهام مهنية خطرة في مناطق النزاعات المسلحة يُعتبرون أشخاصًا مدنيين ويجب حمايتهم بهذه الصفة. كما أصدر مجلس الأمن عدة قرارات في هذا الشأن، كان آخرها عام 2015، إلى جانب قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومنها قرار عام 2013، فضلاً عن خطة عمل الأمم المتحدة بشأن سلامة الصحفيين التي أطلقتها اليونسكو.هذه النصوص والقرارات ليست مجرد شعارات قانونية، بل هي التزامات دولية واجبة النفاذ، ويقع على عاتق المجتمع الدولي، بما في ذلك الدول الأطراف في هذه الاتفاقيات والمنظمات ، واجب قانوني وأخلاقي في ضمان احترامها وتطبيقها. ولا يمكن القبول باستمرار الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة بحق الصحفيين، إذ يشكل ذلك انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي ويهدد جوهر حرية الصحافة كحق إنساني عالمي.إن الواجب الإنساني والأخلاقي والقانوني اليوم يفرض على العالم أن يقف وقفة حاسمة لوقف الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وفي الضفة الغربية، وأن يوفّر حماية حقيقية لكل من يحمل الكاميرا لتوثيق الانتهاكات، فحماية الصحافة هي في جوهرها حماية للحقيقة، وحماية للحقيقة هي حماية للعدالة والإنسانية جمعاء.رحم الله شهداء الكلمة والصورة.
أبو دلو يكتب: حماية الصحفيين بالنزاعات المسلحة
مدار الساعة ـ