مدار الساعة كتب أ. إبراهيم فارس (محامٍ فلسطيني) ود. باسل باوزير (خبير دستوري) -
يُسلط هذا المقال الضوء، على تداعيات اعتراف الدول بدولة فلسطين من ناحية الآثار القانونية على الاتفاقيات بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل وأثر هذا الاعتراف على توجه الجانب الإسرائيلي في ضم مناطق في الضفة الغربية. أطلقت خمسة عشر دولة غربية (أندورا واستراليا وكندا وفنلندا وفرنسا وايسلندا وأيرلندا ولوكسمبورغ ومالطا ونيوزيلندا والنرويج والبرتغال وسان مارينو وسلوفينيا وإسبانيا)، نداء جماعياً للاعتراف بدولة فلسطين، علماً أن بعض الدول المشتركة في النداء كانت قد اعترفت بدولة فلسطين. وتعترف بدولة فلسطين كدولة ذات سيادة (147) من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها (193)، والتي تمثل (75%) من المجتمع الدولي.ابتداءً، صنف فقه القانون الدولي الاعتراف بالدولة إلى نوعين، الأول هو الاعتراف القانوني وهو إقرار رسمي باستيفاء الكيان لجميع معايير الدولة بموجب القانون الدولي ويكون عادة يتمتع بالقبول الدبلوماسي والسيادة الكاملة على أراضيه. والثاني هو الاعتراف الفعلي وهو إقرار بأن الكيان يعمل كدولة عملياً، حتى مع حجب الاعتراف الرسمي. وفي الحالات التي تحصل فيها الكيانات على صفة الدولة من خلال هذا النهج، يمكن للاعتراف أن يعوّض أي قصور في استيفاء معايير الدولة بموجب القانوني الدولي. وتعتبر فلسطين مثالاً بارزاً على هذا النهج في تأسيس الدول.في ضوء ذلك، جاء القرار رقم (ES-10/23) الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في (10 أيار 2024) ورفع من وضع فلسطين في الأمم المتحدة إلى صفة دولة مراقبة، ولم يمنحها العضوية الكاملة أو حقوق التصويت. ومع ذلك، أوصى القرار مجلس الأمن الدولي "بإعادة النظر" في عضوية فلسطين الكاملة "بشكل إيجابي"، وهي خطوة واجهها حق النقض (الفيتو) الأمريكي بالرفض. وبالرغم من الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن، إلا أن الدول دأبت على الاعتراف بدولة فلسطين، وهناك سلسلة وعود بزيادة وتيرة هذا الاعتراف في أيلول القادم أثناء انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، أهمها: بريطانيا، فرنسا، كندا، استراليا، أندورا، فنلندا ، لوكسمبورغ، مالطا، نيوزيلندا، البرتغال، وسان مارينو. ولا يمكن النظر لهذا الاعتراف بعيداً عن سياق الالتزامات التي نشأت بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل من خلال توقيع اتفاقيات أوسلو التي انبثق عنها الجسم القانوني المتمثل في السلطة الوطنية الفلسطينية. وهذه الاتفاقيات هي مجموعة من الاتفاقيات التي بدأت بإعلان المبادئ عام 1993 (أوسلو 1) ثم اتفاقية (أوسلو 2) عام 1995. ولم تنص اتفاقيات أوسلو صراحة على قيام دولة فلسطينية، حيث كان الهدف إقامة حكم ذاتي فلسطيني انتقالي في الضفة الغربية وقطاع غزة كخطوة نحو تسوية نهائية تتضمن إقامة دولة فلسطينية. إلا أن المفاوضات حول الوضع الدائم لم تنجح، ولم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي حول إقامة الدولة الفلسطينية.ورغم توقف مسار التسوية السياسية، والانتهاكات المتكررة لاتفاقيات أوسلو، وعدم تطبيق أجزاء جوهرية منها، غير أنها من الناحية النظرية ما زالت قائمة، ولم يعلن أي طرف سواء منظمة التحرير الفلسطينية أو إسرائيل عن إلغائها أو الانسحاب من التزاماتها. وبالتالي، فإن هذه الاتفاقيات لا تزال سارية المفعول، وتتمتع بالقوة القانونية الملزمة، ومازالت هي الإطار القانوني الناظم للعلاقة بين السلطة الوطنية الفلسطينية وإسرائيل. ومن هنا لابد من التساؤل عن نتائج الاعتراف بدولة فلسطين على اتفاقيات أوسلو، وأثره عل توجه إسرائيل بتطبيق قرار ضم مناطق في الضفة الغربية والأغوار، وهل من الممكن اعتبار ذلك بمثابة إلغاء حُكمي لاتفاقيات أوسلو؟. على الرغم من كون مسألة وضع الاتفاقيات المبرمة بين منظمة التحرير وإسرائيل تتجاوز بكثير النطاق القانوني، فكلا الطرفين لديهما اعتبارات سياسية تؤثر على موقفهما، لكن هذا لا يغني عن التطرق للتعقيدات القانونية الناجمة عن تأثيرات الاعتراف بدولة فلسطين. من الناحية القانونية، فإن القول باستمرار أو عدم استمرار الاتفاقيات بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، سيعتمد على نظرية "خلافة الدول" في الاتفاقيات التي تعني انتقال الحقوق والالتزامات بموجب المعاهدات من دولة إلى أخرى. وفقاً لذلك، إذا افترضنا أن الدولة الفلسطينية سوف تحل محل السلطة الفلسطينية، ففي هذه الحالة، ستكون الدولة الفلسطينية يقع على كاهلها الالتزام بجميع الاتفاقيات (وضمنها اتفاقيات أوسلو) التي التزمت بها السلطة الفلسطينية على اعتبارها الخلف القانوني لها. أما إذا اعتبرنا إن الدولة الفلسطينية هي كيان جديد ومختلف عن السلطة الوطنية الفلسطينية، ففي هذه الحالة لن تكون الدولة الفلسطينية ملزمة بالاتفاقيات التي أُبرمت قبل إنشائها. وهنا يتم تقدير المصلحة الفلسطينية من قبل القيادة السياسية/ هل تقتضي المصلحة أن أن يتم اعتبار الدولة الفلسطينية كيان جديد ومختلف عن السلطة الفلسطينية، المقيدة باتفاقيات أوسلو التي تمنع تمتعها بسلطات عمل أوسع. بينما لو تحررت من جميع القيود القائمة حالياً بسبب اتفاقيات أوسلو، فإنه سيمكن للدولة الفلسطينية أن تبني نفسها دون قيود بل وحتى دعوة قوات دولية إلى أراضيها، ويمكنها كذلك، أن تبرم اتفاقيات للتنقيب عن النفط والغاز بشكل مستقل، وغير ذلك من أشكال ممارسة السيادة. وقد تكون المصلحة أن تخلف الدولة الفلسطينية السلطة الوطنية في التزاماتها تجاه إسرائيل في اتفاقيات أوسلو حتى تستمر الدولة في تسيير حياة الناس مع الجانب الإسرائيلي على اعتبار وجود قاعدة ناظمة للعلاقة بين دولة فلسطين وإسرائيل ولو كانت الأخيرة ترفض تنفيذ أجزاء مهمة من اتفاقيات أوسلو. لعل ما رشح في وكالات الأنباء-إن صح- أن القيادة الفلسطينية تدرس خيار تحويل السلطة الفلسطينية إلى دولة، والإعلان عن ذلك أُحادياً خلال مؤتمر الجمعية العامة للأمم المتحدة المقبل في نيويورك، فإن هذا الاتجاه يتبين أن المصلحة الفلسطينية التي اختارتها القيادة السياسية أن تحل دولة فلسطين حلولاً قانونياً محل منظمة التحرير في اتفاقيات أوسلو. من ناحية أخرى، فإن الاعتراف بدولة فلسطين، سيؤدي إلى فرض قيود على حرية العمل للقوات الإسرائيلية في أراضي الدولة الفلسطينية المعترف بها دولياً، حيث سيتم التعامل مع استخدام القوة من قبل إسرائيل في الأراضي الفلسطينية، باعتباره عملاً ينتهك سلامة الدولة الفلسطينية وسيادتها، خلافاً لميثاق الأمم المتحدة. وسيعطي سنداً قانونياً للدعاوى المرفوعة ضد إسرائيل على الساحة الدولية.ومن المفترض، كذلك، فإن تزايد الاعتراف الدولي بدولة فلسطين سيزيد أيضاً من الضغط على إسرائيل لتقليل ممارسات الاحتلال، وخاصة عندما يتعلق الأمر بممارسة الصلاحيات التي تقوض مكانة الدولة الفلسطينية، وهو أمر سيؤدي إلى أن ترى الدولة الفلسطينية نفسها في موقف أقوى في ممارسة سيادتها. وفي هذا السياق، وصول أسهل إلى المحافل والمحاكم الدولية. وهو أمر سينشأ عن تزايد الضغط على إسرائيل للسماح للدولة الفلسطينية بممارسة سيادتها في جميع المسائل المتعلقة بالسيطرة على المعابر البرية للضفة الغربية، والجو، وبحر قطاع غزة. إضافة ًإلى ذلك، قد ينُظر إلى أي نشاط يتعلق بإنشاء مستوطنات إسرائيلية جديدة أو توسيع المستوطنات القائمة، أو تطبيق قرار الضم الذي دعا له الكنيست الإسرائيلي على أنه انتهاك لسيادة الدولة الفلسطينية، وهو أمر لايمكن تبريره في إطار قوانين الاحتلال. وبالتالي قد يتزايد الضغط القانوني الناجم عن توسع الاعتراف الدولي بدولة فلسطين.في الختام، يرُجحَّ أن تكون التداعيات القانونية لتوسيع قاعدة الاعتراف بدولة فلسطين على الوضع في الأراضي الفلسطينية مهماً، حيث سيشكل عائقاً قانونياً أمام خطط الضم ويُعّرض أي ممارسات إسرائيلية نحو الضم إلى أن تكون عرضة للمساءلة القانونية الدولية.فارس وباوزير يكتبان: التأثيرات القانونية للاعتراف الدولي بدولة فلسطين

مدار الساعة ـ