أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين رياضة اخبار خفيفة ثقافة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

الحكومة الأردنية و'يوروبوند' الثقة: بين احتفاء الرسمي وحقائق المديونية


د. مصطفى التل

الحكومة الأردنية و'يوروبوند' الثقة: بين احتفاء الرسمي وحقائق المديونية

مدار الساعة ـ

في مشهد مألوف تتكرر تفاصيله دورياً، أعلنت الحكومة الأردنية نجاحها في إصدار سندات دولية (يوروبوند) بقيمة 700 مليون دولار، مسرورةً بالإقبال الذي تجاوز ثلاثة أضعاف حجم الإصدار.

الخطاب الرسمي يقدم الأمر كقصة نجاح تثبت "ثقة المستثمرين" و"متانة الاقتصاد"، حيث تم خفض سعر الفائدة إلى 5.75% مقارنة بـ 7.5% في إصدار العام الماضي، مع مشاركة صناديق استثمارية كبرى من الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا.

لكن الغوص تحت سطح هذه الأرقام يكشف قصة أكثر تعقيداً، تحمل في طياتها إشكاليات هيكلية تطال نموذج الاقتصاد الأردني برمته.

وراء أضواء "النجاح" والإشادة بالثقة الدولية، تقبع حقائق اقتصادية تثير القلق. فالهدف المعلن من الإصدار هو مجرد "تسديد سندات "اليوروبوند" التي تم إصدارها قبل عشر سنوات، مما يعني أن الحكومة لا تسدد ديونها من إيراداتها أو من فائض في الموازنة، بل تقترض ديناً جديداً لتسديد دين قديم.

عملية "دوران الديون" التي تمثل تأجيلاً للأزمة وليس حلاً لها رغم الترحيب بانخفاض سعر الفائدة، فإن 5.75% لسندات حكومية بآجال 7 سنوات يبقى مرتفعاً في السياق العالمي، ويعكس أن المستثمرين العالميين لا يزالون ينظرون إلى الأردن كدولة تحمل مخاطر متوسطة إلى عالية.

التكلفة الحقيقية لهذه السندات تظهر في استنزاف الموازنة العامة، حيث ستخصص الحكومة الأردنية حوالي 40 مليون دولار سنوياً لخدمة هذا الدين فقط من خلال دفع الفوائد, هذه الأموال الطائلة التي تأتي من دافعي الضرائب ستتدفق مباشرة إلى جيوب المستثمرين الدوليين، بدلاً من أن تُنفق على الصحة، التعليم، البنية التحتية، أو دعم الفقراء.

كما أن هذه العملية تكشف عن نموذج اقتصادي قائم على "اقتصاد الريع"، حيث يعتمد البلد على القروض والمنح بدلاً من بناء قاعدة إنتاجية حقيقية, فبدلاً من تحفيز الاقتصاد المحلي ليكون مصدر التمويل، نلجأ إلى الأسواق العالمية، مما يزيد من تبعية الأردن وتقلبه مع تقلبات هذه الأسواق.

هناك فجوة واضحة بين الخطاب الإعلامي المُبالغ في تفاؤله والحقيقة الاقتصادية فالحديث عن "متانة الاقتصاد" بينما نعتمد على الاقتراض لسداد الاقتراض يشبه مَن يمدح متانة سفينة بينما يستخدم دلواً لتفريغ المياه التي تتسرب إليها.

النمو الاقتصادي المذكور (2.7% و 2.8%) يبقى نمواً ضعيفاً لا يكفي لخلق فرص عمل لائقة أو لتحسين دخل المواطن، ولا يتناسب مع حجم الدين المتصاعد.

إن إصدار اليوروبوند ليس نجاحاً بحد ذاته، بل هو ضرورة تفرضها أزمة سيولة وهيكلية , فالثقة الحقيقية لا تثبتها قدرة البلد على الاقتراض، بل بقدرته على تعزيز الإنتاج المحلي وتحويل الاقتصاد من اقتصاد استهلاكي وريعي إلى اقتصاد إنتاجي قائم على التصنيع والتصدير والابتكار.

النجاح الحقيقي سيأتي في اليوم الذي لا نضطر فيه للإعلان عن إصدار يوروبوند لأننا أصبحنا نعتمد على أنفسنا , حتى ذلك الحين، تبقى "الثقة" سلعة نشتريها من الأسواق الدولية بأثمان باهظة، ندفعها من جيوبنا وجيوب أبنائنا، بينما نراهن على قدرة الأجيال القادمة على تحمل تبعات ديون نصنعها اليوم ونحن نحتفل بما نسميه "نجاحاً".

مدار الساعة ـ