في بلادنا، يُثار جدل أزلي حول آليات اختيار الوزراء، وكأننا أمام لغز مستعصٍ لا يُحلّ! فبين من يرى في الوزير "الباراشوت" القادم من الخارج خلاصه، ومن يؤمن بالخبرة التي "ترعرعت" في تراب هذا الوطن، تتخبط القرارات وتتوالى التساؤلات. هل حقاً "اللي بنعرفه أحسن من اللي ما بنعرفه"؟ يبدو أن الإجابة عند صانع القرار هي "لا"، وإلا فما تفسير هذا التخبط الذي نراه في كل تشكيل وزاري؟
إن المنطق الذي نتبعه في حياتنا اليومية يختلف تمامًا عن هذا. لو تعطل محرك سيارتك، فهل ستذهب به إلى دكتور أسنان؟ بالتأكيد لا! فلماذا تتغير القواعد فجأة عندما يتعلق الأمر بإدارة شؤون أمة بأكملها؟ في عالم العسكر، يترقى الجندي من الميدان، يعرف رائحة البارود وتُترك على وجهه بصمات الشمس. إنه يصل إلى القمة لأنه "شبع" من الواقع، وليس لأنه قرأ عنه في الكتب. فلماذا لا نطبق هذا المنطق على مؤسساتنا المدنية؟ وزير من "داخل المطبخ" الوزير الذي يبدأ مسيرته من موظف "مسكين" يختم الأوراق، ثم رئيس قسم "يتحمل المسؤولية"، فمدير "يكتب التقارير"، وصولاً إلى وكيل وزارة "يشرب القهوة مع الكبار"، يمتلك خبرة لا تقدر بثمن. هو لا يحل المشاكل لأنه "عبقري"، بل لأنه "عاش في المطبخ" ورأى كل تفاصيله، يعرف كل "قطبة" في الثوب، وكل ثغرة في النظام. إنه يفهم وجع المواطن لأنه مرّ به. "استيراد" الوزراء: خبرة "بلا روح" المشكلة تصبح أكثر إيلامًا عندما "نستورد" وزراء قضوا جلّ حياتهم في الخارج، كأننا نستقدم منتجاً فاخراً "بلا ضمان محلي". من الصعب أن يفهم هؤلاء طبيعة الميدان المحلي وتحدياته دون أن يكونوا جزءًا منه. إن معرفتهم بالبيروقراطية واحتياجات الناس اليومية غالبًا ما تكون نظرية، وكأنهم يقرأون عن الوطن في "كتالوج" سياحي. لذلك، قد تأتي قراراتهم رائعة على الورق، لكنها "تُضحك الثكلى" في الواقع. خبرتهم الخارجية قد تكون ثمينة، لكنها لا تغني عن "الخبرة الميدانية المحلية"؛ كمن يأكل شوكولاتة فاخرة ولكنه لا يعرف طعم الخبز البلدي الذي يُشبع. المواطن لا يريد وزيراً قادماً في "منطاد" دبلوماسي، بل يريد شخصاً "منه وفيه"، يفهم قراراته لأنها نابعة من واقع مُعاش. الخلاصة: الكفاءة ليست "شكلاً" إن الكفاءة ليست مجرد شهادات "براقة" أو خبرة في بيئة مختلفة تماماً. إنها مزيج متناغم من الكفاءة المهنية والخبرة الميدانية الأصيلة. اختيار الوزير من "رحم وزارته" يضمن استمرارية العمل، ويرفع معنويات الموظفين، ويوفر على خزينة الدولة، والأهم من ذلك كله، يقدم وزيراً "يعرف الطريق" دون الحاجة إلى "خريطة" أجنبية. حفظ الله الأردن والهاشميين.
المجالي يكتب: اختيار الوزراء.. بين 'البدلة الأنيقة' و'رائحة بلادنا'

نضال انور المجالي
متقاعد عسكري
متقاعد عسكري
مدار الساعة ـ