لم تكن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأخيرة مجرد خطاب سياسي اعتيادي، بل جاءت محملة برؤية أيديولوجية تسعى إلى إعادة رسم خريطة المنطقة على مقاس المشروع الصهيوني، فالحديث عن "مهمة تاريخية وروحانية" ليس سوى غطاء لغرض استراتيجي أعمق، يتمثل في تكريس الاحتلال، وتوسيع حدوده على حساب أراضي وسيادة دول المنطقة.
هذه الرؤية، التي تتجاوز حدود فلسطين التاريخية لتشمل لبنان وسوريا والأردن ومصر، تكشف عن نزعة عدوانية مبيتة، تُخفي خلف خطابها الديني مشروعًا سياسيًا يتناقض مع مبادئ القانون الدولي، ويتجاهل حق الشعوب في تقرير مصيرها، والأخطر أن الإشارة إلى سيناء وقطاع غزة ضمن سياق "الأمن القومي الإسرائيلي" تفتح الباب أمام سيناريوهات توسعية تمس الأمن القومي المصري والفلسطيني والأردني معًا. غير أن الأردن، بما يمتلكه من ثقل سياسي وحضور دبلوماسي مؤثر، وبما حققه من استقرار اقتصادي وأمني في منطقة تعج بالأزمات، لا يمكن أن يكون هدفًا سهلاً لمثل هذه الأوهام التوسعية، فالمملكة التي أثبتت قدرتها على حماية حدودها وصون سيادتها، تمتلك أدوات الردع السياسي والاقتصادي، وشبكة تحالفات إقليمية ودولية تجعل أي محاولة للمساس بأمنها مغامرة غير محسوبة العواقب. ويأتي دور جلالة الملك عبدالله الثاني في مقدمة جهود حماية الأردن، إذ يقود المملكة بحكمة وحزم لتأمين حدودها وصد أي تهديد يمس أمنها القومي، مؤكدًا أن إرادة الدولة الأردنية وقيادتها الحكيمة خط أحمر لا يمكن تجاوزه، وتعزز متانة الجبهة الداخلية الأردنية من صلابة الدولة، حيث يقف الشعب والجيش والقيادة صفًا واحدًا في مواجهة أي أطماع خارجية، ويشكل الجيش العربي الأردني سدًا منيعًا يحمي السيادة الوطنية، ويجعل أي تهديد لمحاولات فرض الوقائع على حساب الأردن مغامرة فاشلة. رفض هذه التصريحات ليس موقفًا عاطفيًا، بل ضرورة سياسية وأمنية؛ فهي تعكس ذهنية ترى في الحروب وسيلة لإعادة تشكيل الجغرافيا، وفي المفاوضات مجرد أداة لشراء الوقت، إن السكوت عنها يمنح الاحتلال شرعية زائفة لتجاوز الخطوط الحمراء، ويفتح المجال أمام فرض وقائع جديدة على الأرض، بدءًا من اجتياح غزة، مرورًا بتسريع تهويد القدس والمسجد الأقصى، وصولًا إلى محاولات تغيير الحدود المعترف بها دوليًا. إن الرد الحقيقي على هذه الرؤية لا يكون بالبيانات التقليدية، بل ببلورة موقف عربي موحد يضع حدًا للأطماع الإسرائيلية، ويؤكد أن أمن المنطقة، وفي مقدمتها الأردن، خط أحمر لا يُسمح بتجاوزه، وأن إرادة الشعوب وقوة الجيوش الوطنية بقيادة الملك عبدالله الثاني، إضافة إلى متانة الجبهة الداخلية، كفيلة بإفشال أي مشروع يقوم على القوة والغطرسة السياسية.
الربيحات يكتب: تصريحات نتنياهو… أطماع توسعية تصطدم بمتانة الجبهة الداخلية الأردنية
مدار الساعة ـ