ها هم أصحاب الدولة والمعالي والعطوفة، يتقاطرون على منصّات البودكاست كما تتقاطر الغيوم الثقيلة قبل المطر، غير أنّ مطرهم كلمات، وكلماتهم شهادات لأنفسهم، وشهاداتهم قصائد في النزاهة المزعومة والانتماء الممجوج، يتحدثون عن سنينٍ كانوا فيها حُرّاسًا للأمانة، وأبواب مكاتبهم مشرعة أمام المظلومين، وقراراتهم تصدر كأنّها آيات منزّلة: لا وساطة، لا محسوبية، لا ميل عن الحق.
لكن قل لي، إن كنتم كما تقولون، فمن أين جاء العجز في الموازنة؟ ومن أين ارتفعت نسب البطالة حتى صارت جدارًا يسدّ الأفق؟ ومن أين اتسعت جيوب الفقر حتى ابتلعت الأمل؟ ومن أين تدفقت قضايا الفساد في الصحة والتعليم والغذاء والدواء كما تتدفق النار في هشيم يابس؟ ومن الذي رفع الأسعار وابتكر الضرائب الخفيّة والمكرّرة، حتى صار المواطن يدفع ثمن هوائه؟ وأين ذهبت الاستثمارات والمشاريع التنموية التي كنتم تبشّرون بها كما يُبشَّر المريض بالشفاء؟ثم من أين جاءت قصوركم في دابوق ودير غبار، ومزارعكم في الأغوار، وأسطول سياراتكم المصطف أمام بيوتكم كما تصطف الجند أمام القائد، وشققكم في تركيا وقبرص ومصر؟أجيبوني: كيف بقي رفاقكم الذين شاركوكم المكاتب والكراسي نفسها على حالهم، برواتب تقرضها البنوك قبل أن تصل إلى جيوبهم، وبسيارات تتثاءب من قِدم موديلاتها، بينما أنتم انقلبت حياتكم رأسًا على عقب بمجرد أن اعتلى اسمكم سلّم المناصب؟ أكان المنصب مصباح علاء الدين؟ أم كان كنزًا دفينًا في دهاليز القرارات؟كفّوا عن الحكايات الملوّنة، فالناس في الحارات الضيقة يعرفون كل شيء، والبيوت القريبة لا تخفي ما تدّعون أنّه سرّ. إنّ أصواتكم على المنصّات لا تغطي على ضجيج الحقيقة، والحقيقة أنّ الفقراء يزدادون فقرًا، وأنكم أنتم تزدادون ثراءً... وما بين الفقر والثراء حكاية يعرفها كل طفل في هذه البلاد.
المجالي يكتب: غزو أصحاب المناصب لمنصات البودكاست
مدار الساعة ـ