أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب مجتمع مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات جامعات مغاربيات خليجيات دين رياضة اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

السويلميين يكتب: الزوايا والتكايا تحت المجهر.. هل ينظّم نظام 45/2025 التصوف أم يُعيد تشكيله قانونيًا؟


الدكتور بكر محمود رستم السويلميين

السويلميين يكتب: الزوايا والتكايا تحت المجهر.. هل ينظّم نظام 45/2025 التصوف أم يُعيد تشكيله قانونيًا؟

مدار الساعة ـ

قراءة نقدية قانونية وثقافية موسعة لنظام رقم 45 لسنة 2025

مقدمة:

في ظل الانعطافة التشريعية التي شهدها الأردن عام 2025 بإصدار نظام رقم 45 لتنظيم الزوايا والتكايا والطرق الصوفية، تبرز أهمية الوقوف على تبعات هذا القانون في ضوء المبادئ الدستورية، وضمانات حرية الدين، وحماية المجتمع المدني من ازدواجية السلطة الدينية، وذلك بما يضمن التوازن بين التنظيم الحكومي وحقوق الأفراد والجماعات.

غير أن هذا النظام، برغم إدعائه الضبط والتنظيم، يكرّس بُنية مؤسسية رسمية غير متناسبة مع روح الدولة المدنية، ولا تحترم المبادئ الدستورية المتعلقة بحرية الدين وحق تكوين الجمعيات. ومن ثم فإن المطالبة بإلغائه تتأسس على أسس قانونية، دينية، وثقافية متماسكة.

1. خلفية النظام: دوافعه ومضمونه

صدر نظام تنظيم الزوايا والتكايا الذي منح وزارة الأوقاف صلاحيات تنفيذية واسعة لمواجهة ما وصف بـ”استغلال التصوف لأغراض شخصية وتجارية”، في محاولة لوضع حد للفوضى المؤسسية، كما صرح أمين عام الوزارة.

إلا أن النص القانوني لم يقتصر على تنظيم ظاهرة قائمة فحسب، بل شكل بنية مؤسسية رسمية ترسخ وجود الكيانات الصوفية في هياكل الدولة، وهو ما يعد خروجًا على المبادئ الأساسية التي تحكم الدولة المدنية الحديثة والتي تحترم التعدد الديني والتنوع المدني.

نصوص الدستور الأردني

2.1 المادة 2: “الإسلام دين الدولة ومبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع”

في ضوء هذه المادة، يمكن تأصيل الحق في ممارسة الشعائر الدينية بحرية، لكنها لا تعني منح ترخيص رسمي لطرق صوفية ذات طقوس وشكلية غير ملزمة شرعاً، وهو ما يستوجب مراعاة النصوص الفقهية التي تُميز بين ما هو شرعي ملزم وبين الممارسات الاجتماعية الثقافية التي لا تلزم دينيًا.

يؤكد الفقه الإسلامي على أن الدين لا يفرض وجود كيانات دينية تابعة للدولة، بل يضمن حرية الاعتقاد، ويُحذر من فرض كيانات موازية ذات صلاحيات رسمية، لما في ذلك من إضرار بالوحدة الدينية والاجتماعية.

2.2 المادة 14: “حرية إقامة الشعائر وفق العادات المرعية”

هذه المادة تكرس مبدأ أساسياً وهو ألا يُقيد أداء الشعائر إلا في حالة وجود إخلال بالنظام العام أو الآداب، والزيادات التنظيمية المفروضة على الزوايا والتكايا، بما فيها فرض ترخيص من جهة حكومية، تفرض إطاراً تنظيمياً غير قانوني على ممارسة الشعائر التي لا تشكل عادات مرعية في المجتمع، وبهذا تُعتبر قيوداً غير دستورية.

2.3 المادة 16: “حق تكوين الجمعيات والاجتماعات”

تكمن أهمية هذه المادة في ضمان حق تأسيس الجمعيات والتنظيمات بأهداف سلمية ومشروعة، وهو ما ينسجم مع مبادئ حقوق الإنسان المعتمدة دولياً. يُخالف نظام 45 هذه المادة حين يفرض قيودًا تنظيمية تعيق استقلالية الزوايا والتكايا، وتحولها إلى كيانات تحت رقابة إدارية مشددة.

3.1 قانون الجمعيات رقم 51 لسنة 2008 وتعديلاته

يتمتع هذا القانون بإطار شامل يحكم تشكيل الجمعيات، مع وجود ضمانات قانونية تضمن حق التظلم والطعن في القرارات الإدارية التي قد تؤثر على نشاطها، وفقاً لمبادئ العدالة الإجرائية المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات المدنية.

يخالف نظام الزوايا والتكايا ذلك بالتحكم الإداري المباشر والرقابة المشددة التي تفتقد لأدنى ضمانات الطعن، مما يجعلها أداة رقابة غير عادلة، تمس مبدأ الفصل بين السلطات، وحق الجمعيات في الاستقلالية.

الازدواجية التشريعية وتأثيرها السلبي

يؤسس نظام 45 لثنائية تنظيمية مفرطة، حيث تخضع الزوايا لتشريع خاص بعيداً عن الإطار العام للقوانين المدنية، مما يُضعف من أطر الحماية القانونية المتمثلة في القانون المدني وقانون الجمعيات، ويؤدي إلى تعطيل الحقوق التي كفلها القانون الأساسي للمواطنين.

أسانيد قانونية ونقدية لمطالبة الإلغاء

غياب الأثر التنموي والاجتماعي المبرر

أن الزوايا والتكايا لم تعد تلعب دوراً بارزاً في المجال الخيري أو التعليمي بالمقارنة مع الجمعيات التطوعية الحديثة، مما يجعل من تدخل الدولة الموسع في تنظيمها عملاً غير مبرر قانونياً وإدارياً.

خطر الهيمنة الدينية الموازية على المجتمع المدني

يرسخ النظام مؤسسات دينية رسمية موازية خارج نطاق المؤسسات الدينية التقليدية، مما قد يُفضي إلى بروز قوى ضغط دينية تزعزع التوازن المؤسسي وتخالف مبادئ الدولة المدنية التي تحكمها سلطة القانون، لا سلطات دينية موازية.

العبء المالي والإداري دون مردود إيجابي

فرض رسوم التسجيل والرقابة الإدارية على الزوايا والتكايا، دون تقديم دعم مالي أو خدمات تنموية، يشكل استنزافاً مالياً غير مبرر على الخزينة العامة، بالإضافة إلى العبء الإداري الذي يصعب على الجهات المعنية الوفاء به.

خاتمة: دعوة لإلغاء نظام الزوايا والتكايا

إن نظام رقم 45 لسنة 2025 يتعارض مع روح الدستور ومبادئ القانون الدولي، وينتج عنه اختلالات تنظيمية وتدخلات مفرطة في الشأن الديني، مع ما يصاحب ذلك من مخاطر اجتماعية وثقافية. لذا، فإن الدعوة إلى إلغاء هذا النظام واستبداله بحوار مدني مفتوح، يضمن الاستقلالية ويعزز حرية الاعتقاد، تعد ضرورة قانونية وأخلاقية، للحفاظ على التوازن الوطني، وضمان سيادة القانون، وتعزيز قيم الدولة المدنية الحديثة.

مدار الساعة ـ