مدار الساعة - (خاص) - كتب: المحاميان محمد نبهان و براءة النسور -هناك قضايا تمرّ على المحامين تترك أثراً لا يمحى في الذاكرة، لا لأنها معقدة من الناحية القانونية فحسب، بل لأنها تكشف جانباً من المجتمع لا نراه كل يوم، وتضعنا امام مشاهد غريبة تجمع بين الاحتيال وسوء النية واستغلال التكنولوجيا لإلحاق الضرر بالاخرين.
في هذه القضية، المشتكي كان يملك عمارة سكنية في احدى مناطق العاصمة، بناية منظمة ومأهولة بعدد من المستأجرين، تسير حياتهم اليومية بهدوء، الى ان بدأت حكاية غير مألوفة تتكشف شيئا فشيئا. فقد لاحظ المشتكي، ومعه سكان العمارة، ان أشخاصاً غرباء باتوا يترددون على المبنى بشكل مستمر، يسألون عن امرأة يطلقون عليها اسم "ام فلان". الموقف في البداية كان يثير الاستغراب فقط، لكن مع الوقت تحول الامر الى ازعاج حقيقي ومصدر مشاكل مع المستأجرين.محاولات معرفة السبب قادت الى اكتشاف وجود اعلانات على مواقع الكترونية، تتضمن عروضا مشبوهة، مع وضع عنوان البناية مقصدا للراغبين، في استغلال صريح لسمعة العقار وخصوصية قاطنيه. لم يقف الامر عند ذلك، بل اتضح لاحقا ان هذه الاعلانات كانت جزءا من خطة احتيالية محكمة.التحقيقات الفنية لتتبع الاتصالات اظهرت ان المشتكى عليه الاول والمشتكى عليه الثاني اتبعا اسلوبا يعتمد على تقليد صوت امرأة عبر الهاتف، بهدف استدراج المتصلين واقناعهم بتحويل بطاقات خلوية بقيمة مالية محددة. وبعد ان يتم التحويل، يزودان الضحية بعنوان البناية المملوكة للمشتكي، تاركينه يذهب الى هناك معتقدا انه سيجد ما وعدوه به. بهذه الطريقة كانوا يجمعون المال من التحويلات ثم يقومون ببيع الرصيد لمحال الخلويات مقابل مبالغ نقدية، دون ان يتركوا اثرا مباشرا يصل اليهم بسهولة.هذا السلوك لم يكن مجرد مخالفة بسيطة، بل شكّل من وجهة نظر المحكمة سلسلة من الجرائم المتكاملة: الاحتيال بالاشتراك، الترويج لأنشطة غير مشروعة عبر الشبكة المعلوماتية، والقيام باتصالات تخالف النظام العام والاداب. المحكمة، وبعد دراسة ملف القضية والادلة والشهادات، رأت ان الوقائع ثابتة بحق المشتكى عليهما، واصدرت قرارا بالادانة وتنفيذ العقوبة الاشد بحقهما.هذه القضية كانت نموذجا واضحا لكيفية توظيف اساليب بسيطة وتقنيات متاحة للجميع في تنفيذ جرائم معقدة الاثر، فهي لم تلحق ضررا ماليا بالضحايا فقط، بل سببت اذى معنويا وتشويها لسمعة شخص وعقاره، وخلقت مشاكل اجتماعية مع سكان البناية، وكادت تؤدي الى صدامات بين اشخاص لا علاقة لهم ببعض اصلا.العبرة من هذه الحكاية ان الاحتيال لم يعد يعتمد على اساليب تقليدية، بل بات يستغل التطور التكنولوجي وتوسع منصات التواصل والاعلان، وان من واجب القانون ان يلاحق هذه الافعال ويوقف اصحابها مهما حاولوا التخفي او اخفاء اثارهم، فالقانون لا ينام، والعدالة قد تتأخر لكنها لا تغيب.محاميان أردنيان يرويان أغرب قصة قانونية

مدار الساعة ـ