لقاء جلالة الملك عبدالله الثاني اليوم مع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني والمبعوث الأمريكي الخاص لسوريا توماس باراك يتجاوز حدود البروتوكول الدبلوماسي التقليدي، ليعكس رؤية استراتيجية متكاملة للأردن بقيادته الحكيمة في التعامل مع أكثر الملفات الإقليمية تعقيداً وحساسية. هذا الحضور الأردني الفاعل يأتي في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات كبرى، حيث يبرهن الملك مرة أخرى على أن السياسة ليست مجرد رد فعل على الأحداث، بل هي قدرة على صياغة المشهد وصناعة التوازن بين القوى المتناقضة.
منذ سنوات والأردن بقيادة جلالة الملك يشكل صمام أمان في محيط عربي مضطرب، واليوم يترجم هذا الدور من خلال مبادرات جريئة تجمع بين أطراف متباعدة وتعيد إحياء الأمل بحلول واقعية للأزمة السورية. التأكيد على وحدة الأراضي السورية وسيادتها ليس مجرد موقف مبدئي، بل هو جوهر استراتيجية ترى أن استقرار الجار الشمالي هو امتداد طبيعي لأمن الأردن الوطني، وأن أي فراغ سياسي أو أمني هناك سينعكس مباشرة على الداخل الأردني.الملك في هذا اللقاء لم يكتفِ بإعادة تأكيد المواقف، بل طرح أفقاً عملياً من خلال دعوة واشنطن للانخراط في إعادة إعمار سوريا، واضعاً الأردن كجسر يربط بين المواقف الدولية والمصالح الإقليمية، ومقدماً خبرات بلاده في مجالات التنمية والاقتصاد ومكافحة الإرهاب وضبط الحدود وغيرها من المجالات. هذا النهج يعكس براعة سياسية نادرة في الموازنة بين متطلبات الأمن القومي الأردني وضرورات الانفتاح على الشركاء الدوليين والإقليميين، ويؤكد أن عمان ليست مجرد ساحة عبور للمصالح، بل مركز صناعة المبادرات.حضور ولي العهد الأمير الحسين إلى جانب كبار المسؤولين في هذه اللقاءات يضفي بعداً مؤسسياً واستراتيجياً على التحرك الأردني، ويعطي رسالة واضحة بأن الدولة الأردنية، بكل مستوياتها، تتحرك برؤية موحدة وقيادة واعية تضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار. إن ما يقوم به جلالة الملك اليوم ليس مجرد إدارة أزمة، بل هو إعادة صياغة لدور الأردن في مرحلة ما بعد النزاعات، بحيث يصبح لاعباً محورياً في رسم مستقبل المنطقة.بهذا اللقاء، يؤكد الملك عبدالله الثاني أن القيادة الهاشمية ما زالت تحمل راية الحكمة والاعتدال، وتثبت أن الحنكة السياسية والقدرة على جمع المتناقضين يمكن أن تصنع أملاً في واقع عربي مثقل بالأزمات. إنها رسالة قوة ناعمة وصلابة موقف، تجعل من الأردن وقيادته نموذجاً يُحتذى به في فن إدارة الملفات الإقليمية بحس تاريخي ووعي استراتيجي.
حدادين يكتب: رؤية ملكية تضع الأردن في قلب الحل السوري
مدار الساعة ـ