.. . قبل فترة ذهبت إلى التفلزيون الأردني، للمشاركة في برنامج صباحي ربما لا يشاهده أحد، هذا الأمر تطلب مني تسليم هويتي على الباب، تطلب مني تفتيش السيارة، ومن ثم إبلاغ الشخص المعني في الداخل.. وعليك حين تقف على باب التلفاز وأن تواجه جندياً مسلحاً بكامل عتاده الحربي.

قبلها بشهرين ذهبت لوزارة الداخلية، وحتى تدخل وزارة الداخلية الأردنية عليك أن تخضع لتفتيش دقيق، وتسلم هاتفك الخلوي.. وتسلم (القداحة)، وإذا دخلت جناح الوزير ستخضع لتدقيق وتحقيق وتسأل عن غايتك.. سألتهم يومها، لماذا تصرون على تسليم (القداحات) ؟ فأجابوني بأن أحدهم قبل أعوام حاول حرق نفسه.. المشكلة أن هذه الحادثة تمت معالجتها بمنع (الولاعات )، وليس بالسؤال عن السبب الذي أدى بهذا المواطن لمحاولة حرق نفسه.

جرب أن تذهب إلى وزارة العمل، ستواجه بالأمن على الباب يسألك عن حاجتك.. وسيمنعك من استعمال مصعد (معاليه)، وسيسجل رقم الهوية الخاص بك واسمك..

جرب أيضا الذهاب في الصباح وأنت في طريق عملك لزيارة صديقك القديم مخيمر أبو جاموس في الضمان الاجتماعي، سيوقفونك على الباب، وسيطلبون هويتك.. ورقم هاتفك، وسيقومون بتسجيل الاسم كاملا، ورقم الهوية.. ومن ثم السماح لك بالصعود إلى مخيمر، يومها حين أخبرته بما حدث، ضج الرجل واستدعى مدير الأمن بالمؤسسة.. وألغى كل تلك الإجراءات.

كيف سنصل إلى دولة مدنية حقيقية في الأردن، والدخول إلى وزارة الداخلية يحتاج منك تسليم هاتفك النقال.. وولاعة السجائر الخاصة بك، سؤال لو نزل وزير الداخلية للميدان وحده.. هل سيعرفه الناس؟

المسأله الأخطر من عقلية الحصن التي تحكم المؤسسات هي :القوائم.. تلفزيون المملكة لديه قوائم : بلاك ليست.. ومحظيون، مثلا من المستحيل أن يظهر ناشط من معان، كي يتحدث عن المشهد الحالي على شاشته، بالمقابل في حكومة بشر الخصاونة من السهل أن يخرج أي واحد لرجم الحكومة، هم (17) شخصا وأغلبهم من الأصدقاء، هم الذين يظهرون ويحللون ويتحدثون وينتقدون، تشعر أحيانا أنه أشبه بتلفزيون عائلي.. . والعائلة تمتلك منتجعا، ولا يحق لغيرهم بالدخول له.

القوائم أيضا تحكم مؤسسات سيادية، فهناك من يحق لهم الذهاب لهذه المؤسسة والتقاط الصور مع رأسها، ثم التغني في اليوم التالي بإنسانية هذا الشخص.. والتغني بولائه، ووصفه بأنه مدرسة الانتماء.. والمقال ذاته يطوف على (14) موقعاً إخبارياً.

القوائم تحكم، عمل بعض الوزراء.. فالأصدقاء يحق لهم التحدث معه على الهاتف ويحق لهم زيارته في الوزارة وشرب القهوة معه، بالمقابل إذا جاء مواطن من الدرجة السياحية وطلب موعداً فربما يحصل على الموعد بعد (9) أشهر..

الأولوية للحكومة الحالية لا أظنها الميدان، ولا أظنها التعديل.. أظنها كسر عقلية الحصن التي صنعها بعض، ممن تولى زمام المسؤولية في المؤسسات.. وكسر منطق القوائم في التعاطي مع الأردنيين.. أنا أدعو رئيس الوزراء لإرسال مواطن كي يقوم بزيارة وزارة الداخلية، وليضع كاميرا تصور حجم الحواجز وقوتها.. حتى يعرف ما آلت إليه مؤسساتنا، أدعوه أيضا أن يعيد هيكلة الإعلام، بحيث لانصل إلى إعلام نخبة ترى نفسها أكبر من الدولة، وتحتكر الوعي.. ووظيفتها العبث بالقرار وانتقاده، وبين إعلام تسليم الهويات على الباب والمشاركة في برنامج لا يشاهده أحد..

قبل عامين شاهدت رئيس الوزراء الحالي حين كان مديرا لمكتب جلالة الملك، يتجول مع أولاده في العبدلي، كان يركب سيارة (ميني كوبر)، وركنها بجانب (بكب اب)، نزل هو وأولاده واشترى.. من سوبرماركت في الشارع، ووقف على خلف شاب كان يحصي علب (العصير).. وانتظر دوره، إلى أن دفع الفاتورة ثم غادر، أظن أن منصب مدير مكتب جلالة الملك منصب سيادي.. لماذا إذا مارست سلوك الناس على نفسك ولم تتعاطَ مع المنصب؟ بالمقابل إذا أراد وزير سيادي شراء (علبة لبن) يحيط نفسه، بمجموعة من رجال الامن وأخرى من المدنيين.. ويتوقف الشارع.. ويتم إحضار اللبن إلى السيارة.

هل سيغير التعديل الوزاري عقلية الحصن التي تعيش فيها مؤسساتنا؟.. هل سيغير التعديل الوزاري (الكود) الخاص بمصعد الوزير والذي لا يجب لمواطن استعماله.. لقد طفت جميع وزارات الدولة، وصعقني أنها كلها تحتوي على مصعد خاص بالوزير والأمين العام، ومصعد آخر للمواطنين من رتبة (طفران) وما يوازي تلك الرتبة.

بلدي تعاني من بطالة وفقر، ووزير فيها لديه (لاند كروزر) للمحافظات، (وبي أم دبليو) للزيارات داخل عمان..

كل الحكومات التي تأتي إما تركز على الميدان، وإما خطابها يكون متعلقا بمكافحة الفقر والبطالة.. لم أشاهد حكومة واحدة منذ (20) عاما، اتخذت قرارا بإلغاء مصعد الوزير، وجعله يستعمل مصعد المراجعين، لم أشاهد حكومة واحدة.. سألت عن القوائم التي تحكم عمل بعض المؤسسات، ولماذا يصنف الإعلام في وطننا إلى إعلام النخبة وإعلام (اللاسعين).. وكلمة (لاسع) هي وصف أطلقه علي أحد قادة الإعلام قبل فترة، في جلسة سمر مع أصدقاء من ذات الطبقة ومن ذات اللعنة.

دولة رئيس الوزراء.

وزارة التخطيط بجانب الرئاسة، وهي الأقرب.. تأكد أن إلغاء المصعد الخاص بالوزير فيها وجعله متاحا للمواطنين، وخلع الكود الخاص بمصعد معاليه.. هو قرار في الشعبية والإنصاف والعدالة لايقل عن قرار خفض أسعار البنزين إلى النصف..

الدولة تحتاج لإنهاء عقلية الحصن وعقلية القوائم.