أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة مناسبات مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة جامعات دين مغاربيات خليجيات ثقافة رياضة اخبار خفيفة سياحة الأسرة طقس اليوم

العشي يكتب: بعد ثلاثة أيام من التعديل الوزاري.. بين التفاؤل والمسؤولية وصناعة الأثر


الدكتور محمد العشي

العشي يكتب: بعد ثلاثة أيام من التعديل الوزاري.. بين التفاؤل والمسؤولية وصناعة الأثر

مدار الساعة ـ

في السادس من آب 2025، أجرى دولة الدكتور جعفر حسان تعديله الوزاري الأول، فأعاد تشكيل ملامح حكومته عبر إدخال تسعة وزراء جدد وخروج عشرة من الفريق الحكومي السابق. ومنذ ذلك اليوم، انشغلت وسائل الإعلام ومواقع الأخبار بنشر تفاصيل التغيير، لكن ما نحتاجه اليوم – بعد مرور ثلاثة أيام – ليس تكرار الأسماء أو إعادة سرد الحقائب، بل قراءة أعمق لما وراء الحدث، وفهم دلالاته، ورسم ملامح الطريق أمام الوزراء الجدد.

تهنئة تحمل في طياتها رسالة

في البداية، لا بد من التوجه بخالص التهنئة للوزراء الذين نالوا ثقة جلالة الملك، وانضموا إلى فريق عمل دولة الرئيس في هذه المرحلة الدقيقة من عمر الوطن. غير أن هذه التهنئة لا تُختزل في كلمات المجاملة، بل تحمل في مضمونها رسالة واضحة: أن المنصب الوزاري ليس محطة للتاريخ الشخصي بقدر ما هو أمانة ثقيلة، وميدان اختبار حقيقي للقدرة على الإنجاز؛ فالتاريخ لا يحفظ أسماء الجالسين على المقاعد بقدر ما يحفظ بصماتهم في ميادين العمل.

أكثر من مجرد تغيير أسماء

إعادة تشكيل الحكومة ليست غاية في حد ذاتها، بل وسيلة لتصحيح إيقاع العمل الحكومي بما يتلاءم مع متطلبات الزمن الراهن. انضمام كوادر جديدة – أغلبهم من أصحاب الخبرات الأكاديمية والمهنية – يعكس إدراكًا واضحًا لحاجة بعض القطاعات إلى دماء متجددة، قادرة على التفكير الإبداعي، ومواكبة التحديات المتسارعة، لا سيما في الاستثمار، الصحة، الزراعة، السياحة، الشباب، البيئة، النقل، وتطوير القطاع العام.

هذا التغيير يضع الوزارات الخدمية والاقتصادية في صلب دائرة التجديد، وهذه إشارة ذكية؛ فالمواطن يريد أن يرى أثر الحكومة في حياته اليومية من خلال خدمات صحية أفضل، فرص عمل جديدة، بيئة نظيفة، قطاع سياحي مزدهر، واستثمار فعّال يخلق وظائف وينعش الاقتصاد.

فلسفة التغيير بعد مرور 3 أيام

ثلاثة أيام كافية لأن تهدأ ضوضاء العناوين الأولى، وتبدأ مرحلة التفكير العملي. ما الذي يجب أن يفعله الوزراء الجدد الآن؟ أولًا، أن يدركوا أنهم ليسوا في مرحلة "التعارف" بل في سباق مع الزمن. المواطن لم يعد ينتظر الخطط الطويلة أو الدراسات التي تبقى حبيسة الأدراج، بل يتطلع إلى نتائج ملموسة وسريعة، ولو كانت صغيرة في البداية.

ثانيًا، أن يفهموا أن النجاح في هذه المرحلة لن يقاس فقط بما ينجزونه داخل وزاراتهم، بل بمدى قدرتهم على التعاون مع باقي الفريق الوزاري، فالتحديات الوطنية مترابطة، ولا يمكن حل مشكلات الاقتصاد بمعزل عن التعليم أو الصحة أو الاستثمار.

الأبعاد الاقتصادية والإدارية لإعادة تشكيل الحكومة

عندما يؤكد الرئيس أن الموازنة ستُبنى على البرنامج التنفيذي لرؤية التحديث الاقتصادي، فهذا يعني أن الفريق الحكومي الجديد أمام التزام واضح: تحويل الرؤية إلى أرقام وحقائق وليس مجرد شعارات. ففي وزارة الاستثمار، لا يقتصر الدور على الترويج للمناخ الاستثماري، بل يشمل إزالة المعوقات الإدارية والبيروقراطية التي تعيق المستثمرين. وفي وزارة الصحة، لا يقتصر الحديث على تطوير المستشفيات، بل يجب رفع جودة الخدمة وضمان وصولها للمواطنين في جميع المحافظات.

أما وزارة الزراعة، فهي مطالبة بدور محوري في دعم الأمن الغذائي الوطني، خاصة في ظل التغيرات المناخية. ووزارة السياحة أمام فرصة لاستعادة مكانة الأردن كوجهة سياحية عالمية، عبر الترويج المبتكر وتحسين البنية التحتية. ووزارة الشباب أمامها مهمة تمكين جيل كامل من الانخراط في سوق العمل وريادة الأعمال، لا الاكتفاء بالأنشطة التقليدية.

الوزراء الجدد… من الملفات إلى الميدان

التاريخ السياسي في الأردن يثبت أن المسؤول الذي ينجح في كسب ثقة الشارع هو من ينخرط في الواقع العملي، يتواصل مباشرة مع المواطنين، ويواجه التحديات على الأرض. لا تخلق الصور البروتوكولية إنجازًا، بل القرارات الجريئة، والتواصل المباشر، والعمل الميداني، هي من تترك بصمة حقيقية.

ولذلك، فإن الأيام المئة الأولى من عمل الوزراء الجدد ستكون حاسمة، ليس فقط لوضع بصمتهم الخاصة، بل لقياس مدى قدرتهم على الانتقال من مرحلة الوعود إلى مرحلة التنفيذ. هذه المئة يوم يجب أن تشهد:

1. خطوات عملية لتحسين الخدمات الأساسية.

2. إطلاق مبادرات سريعة الأثر تعكس جدية التغيير.

3. وضع جداول زمنية واضحة للمشروعات الكبرى.

4. بناء جسور الثقة مع الإعلام والمواطنين عبر الشفافية والمصارحة.

التحديات أمام الوزراء الجدد

المسيرة التي تنتظر هؤلاء المسؤولون ليست خالية من العقبات، بل تكتنفها صعوبات تتطلب وعياً واستعداداً حقيقياً. أولى هذه المعوقات تكمن في مقاومة التغيير التي قد تواجهها بعض المؤسسات التي اعتادت على أنماط عمل تقليدية وبيروقراطية معقدة، مما قد يعرقل سرعة تنفيذ الخطط الطموحة.

ثانيًا، هناك ارتفاع سقف التوقعات الشعبية، إذ لم يعد الجمهور يقبل التأجيل أو الأعذار، بل يطالب بحلول فعلية وسريعة.

ثالثًا، يتوجب على الوزراء التنقل بمهارة بين تعقيدات البيئة الإقليمية والدولية التي تتسم بالتقلب الاقتصادي والسياسي، حيث تتطلب القرارات حكمة وشجاعة لمواجهة المتغيرات المستمرة.

من جهة أخرى، فإن التحديات تستلزم من الوزراء الجدد تبني ممارسات إدارية حديثة، والاستفادة من التكنولوجيا والتحول الرقمي لزيادة الفاعلية والكفاءة.

كما يجب عليهم العمل بتنسيق وتكامل بين القطاعات المختلفة، لأن حل مشكلات الوطن اليوم يتطلب تضافر الجهود وتوحيد الرؤى بعيداً عن العمل الانفرادي.

الأهم من ذلك، أن على الوزراء أن يكونوا قادرين على بناء جسور تواصل شفافة مع المواطنين ووسائل الإعلام، فالثقة المجتمعية هي ركيزة لا غنى عنها لأي إصلاح ناجح.

وتلك هي المعضلة الكبرى التي يحتاج كل وزير جديد لأن يضعها نصب عينيه، لأنه لا نجاح بدون ثقة، ولا ثقة بدون نتائج ملموسة.

رسالة للداخل والخارج

إعادة تشكيل الحكومة لم يكن موجهاً فقط للجمهور المحلي، بل حمل رسالة إلى الشركاء الإقليميين والدوليين بأن الأردن مستمر في تحديث بنيته السياسية والاقتصادية، وقادر على تجديد أدواته التنفيذية كلما دعت الحاجة، دون تردد أو تأخير. هذا يعزز صورة الدولة ككيان مرن يواكب المتغيرات، ويحافظ في الوقت نفسه على ثوابته الوطنية.

خاتمة: صناعة الأثر لا الاكتفاء بالمنصب

بعد ثلاثة أيام من التعديل الوزاري، يجب أن ندرك جميعًا – حكومة ومواطنين – أن التجديد ليس لحظة احتفال، بل بداية لمسار طويل من العمل. الوزراء الجدد أمام فرصة ذهبية لصناعة الأثر، إما بأن يصبحوا جزءًا من قصة نجاح وطنية، أو أن يمروا مرور الكرام في سجلات المناصب.

يعلمنا التاريخ أن المنصب الوزاري لا يخلّد الأسماء، بل الإنجازات هي التي تبقى، وأن كل قرار أو مبادرة أو لقاء مع المواطن قد يشكل نقطة انطلاق نحو تغيير حياة، أو إصلاح مؤسسة، أو تطوير قطاع بأكمله. إنها مسؤولية ثقيلة، لكنها في الوقت ذاته شرف عظيم لا يناله إلا من أثبت جدارته، ومن عرف أن خدمة الوطن أسمى من أي لقب.

مدار الساعة ـ