أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة مقالات مناسبات مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة جامعات دين مغاربيات خليجيات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة الأسرة طقس اليوم

الضمور تكتب: بيئتك تصقل شخصيتك


الدكتورة هند جمال الضمور

الضمور تكتب: بيئتك تصقل شخصيتك

مدار الساعة ـ

الإنسان ليس كائنًا معزولًا يولد في فراغ، بل هو ثمرة بيئته ومحيطه، ونتاج تراكمات اجتماعية وثقافية واقتصادية ودينية تترك أثرها العميق في شخصيته.



حين نتأمل وجوه الناس من حولنا، ونصغي إلى أحاديثهم، ونراقب سلوكياتهم، نجد أنّ البيئة التي نشأوا فيها تتجلى واضحة في طباعهم، بل تكاد تسبقهم في الحضور قبل أسمائهم وألقابهم.


فذلك الذي تربى في بيئة يسودها الاحترام والصدق، لا بد أن ينعكس ذلك على كلماته وأفعاله، فنلمح في مواقفه مروءةً وشهامةً، ونجد في حديثه صدقًا ووضوحًا. بينما الذي كبر في بيئة يكثر فيها التذمر والسلبية، سرعان ما تراه أسيرًا لهذه الروح، حتى لو حاول أن يتجمّل بمظهر آخر.


ومن هنا، لا نستطيع أن نفصل بين الإنسان وبين بيئته، فهما نسيج واحد؛ هو يحملها في داخله كما تحمل هي ملامحه في ظاهرها. حتى الذين يسافرون بعيدًا، أو يحاولون الانفكاك عنها، يظلون في لحظة ما أسرى لأثرها العميق، وكأنّ جذورهم لا تكفّ عن استدعائهم إلى الأصل الذي تفرعوا منه.


وقد ينجح الإنسان في تهذيب بعض ما ورثه من بيئته إذا كان فيه عيب أو نقص، لكنه قلّما يستطيع أن يتجرد تمامًا منها، لأن البيئة لا تترك فينا ظاهر السلوك فحسب، بل تغرس في أعماقنا طريقة التفكير، ونمط النظر إلى الحياة، ومفهومنا عن الخير والشر، والصواب والخطأ.


لهذا، يصبح لزامًا على كل واحدٍ منا أن يدرك أثر بيئته فيه، فيستبقي ما هو نقيّ ومضيء، ويسعى لتجاوز ما هو سلبي ومعيق. فكما أن البيئة قادرة على أن تصقلنا وتهذبنا، هي قادرة كذلك على أن تكبلنا وتشدّنا إلى الخلف إن لم ننتبه.


إنّ الشخصية القوية الواعية ليست تلك التي تنكر أثر البيئة أو تتنصل منها، بل التي تعترف بهذا الأثر وتتعامل معه بوعي، فتستبقي أجمل ما فيه، وتعمل على الارتقاء بنفسها نحو فضاءات أوسع من حدود المكان والزمان الذي نشأت فيه.


فالبيئة تشكّلنا… لكننا نحن الذين نقرر في النهاية: هل نبقى أسرى لها، أم نجعل منها جسرًا نعبر به إلى إنسانيةٍ أرقى.

مدار الساعة ـ
story