مدار الساعة - كتب: أ. فراس خريسات - في عالمٍ تُقاس فيه الهيبة بعدد الرؤوس النووية، ويتفاخر الأقوياء بالأسلحة الفرط-صوتية، ويُسمّى الأمن “قبّة حديدية”، تُولد معادلة جديدة:
أن تَحيا في منطقة تمر بالألغام، دون أن تنفجر فيك… هو شكلٌ آخر من القوة.
حين يتغطّى البعض بلحاف غيره، ينام وفي عينيه خوف…
فهو يعلم أن اللحاف ليس له، وأن الدفء المزعوم مرهون بمزاج صاحبه.
وإن سُحب منه الغطاء، بقي عاريًا في وجه الصقيع، بلا حولٍ ولا حصانة.
لكن الأردن…
لم يتغطّ بلحاف أحد.
لا نملك صواريخ بعيدة المدى، ولا قواعد عسكرية نووية، ولا حاملات طائرات تجوب البحار…
ومع ذلك، ما زلنا ثابتين في عين الإعصار.
يقول روبرت غرين في كتابه “قوانين السلطة”:
“القوة الحقيقية لا تُقاس بما تملكه من عتاد… بل بقدرتك على البقاء في مركز اللعبة، دون أن تُستبعد منها.”
وهذا تمامًا ما فعله الأردن.
في زمن الحروب الإقليمية، و الاصطفافات المحمومة، والملفات المتفجرة…
اختار أن يُبقي رأسه مرفوعًا، لا تابعًا لأحد، ولا منساقًا خلف أحد.
يمدّ يده بحكمة، لا يتسوّل الدعم… ولا يخاف في الحق لومة لائم.
سيدي عبد الله الثاني…
ذلك الهاشميّ الذي لا يرتدي صخب العواصم، لكنه يحمل إرث النبوة في عباءته.
يعرف العالم من هو… ويعرفون أن كلمته حين تُقال، تُحسب.
ليس لأنه يملك سيفًا نوويًا، بل لأنه يمتلك شرعيةً تاريخية، وحكمةً هادئة، وهيبةً لم تُشترَ من أسواق النفوذ.
في المنطقة رجالٌ يصرخون كي يُسمَعوا…
وفي الأردن، رجلٌ يصمت أحيانًا… فيُصغى له.
في العالم كله شرقه وغربه ، شماله وجنوبه …
هناك من يُصنّف “قوة” لأنهم يملكون سلاحًا.
وهناك من يُصنّف “ثقة”… لأنهم يملكون عقولًا لا تُشترى، وكرامة لا تُساوم.
إن أردت أن تفهم اللعبة… فلا تَعُد إلى عدد الطائرات، بل إلى عدد الأزمات التي نجا منها الأردن دون أن يفقد بوصلته.
لماذا؟
لأنه لم يستعر لحافًا من أحد…
بل نسج دفأه من شرعية تاريخه، وعرق جنوده، وصبر شعبه، ودعاء جدّه محمد صلى الله عليه وسلم.
نحن لا نهدد أحدًا… لكننا لا نُهدَّد.
نحن لا نصرخ… لكن صدى مواقفنا يسمعه الخصوم قبل الأصدقاء.
في زمن تزييف القوة…
أردنٌ صغير بحجمه،
عظيمٌ بمكانته،
يقول للعالم:
قد لا نملك طائرات B2، ولا أسلحة نووية… لكننا نملك الله، ونملك قائدًا يعرف متى يصمت، ومتى يقول الكلمة التي لا تَسقُط.
فلا تستهينوا بمن لا يتباهى…
فقد تكون هيبته مغطاة بلحاف اسمه: كرامة