مدار الساعة - خاص - كتب المحاميان محمد نبهان و براءة النسور - عبارة القانون لا يحمي المغفلين ليست قاعدة قانونية ولا مبدأ قضائياً ملزماً وهي اقرب للتداول الشعبي الذي يختصر الواقع بشكل ظالم بينما القانون في جوهره وضع ليمنع افتراس الضعيف ويضبط سلوك القوي ويعيد التوازن عندما يختل.
وظيفة القانون ليست مكافأة الاذكياء ولا معاقبة البسطاء بل تنظيم التعاملات وحماية الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي ولهذا تجد قواعد عامة تحمي حسن النية وتمنع استغلال الجهل وقلة الخبرة وتلزم الناس بحد ادنى من النزاهة في التعاملالقول إن القانون لا يحمي المغفلين يوحي بأن الضحية هي المسؤولة عن الضرر وهذا منطق خطير لانه يفتح باب تبرير الغش والخداع بينما المعيار الصحيح ان من اختار التدليس أو الاحتيال هو المسؤول وان الحماية القانونية تتجه ابتداء لمن وقع عليه الضرر بغير حق.في المعاملات المدنية لا يقوم الرضا الصحيح على الخداع فالقانون يعرف عيوب الارادة كالغبن والتغرير والتدليس والغلط والاكراه ويجعل لهذه العيوب أثراً واضحاً من حيث بطلان التصرف او قابليته للابطال أو ترتيب التعويض بحسب الوقائع وهذا كله يعني ان القانون يتدخل عندما يكون أحد الاطراف قد استغل سذاجة الآخر أو حاجته أو ضعفه.ومن فلسفة العدالة ألا يتحول العقد الى أداة ظلم لذلك يواجه القانون صور الاستغلال ويضيق بالشرط التعسفي ويمنع التحايل على قواعد النظام العام والاداب ويوازن بين حرية التعاقد وبين حماية الطرف الاضعف وهو ما يظهر في كثير من التطبيقات العملية داخل المحاكم.وفي علاقات الاستهلاك تحديداً المشرع لا يفترض خبيرا اقتصاديا يقرأ كل التفاصيل بل يفترض مستهلكا عاديا قد يثق بالاعلان او بالعبارة المضللة ولهذا توضع التزامات على التاجر والمزود ببيان المعلومات الجوهرية وعدم التضليل وضمان حد ادنى من السلامة والجودة وحماية الارادة من التلاعبوفي المجال الجزائي لا يقال للمجني عليه انك كنت مغفلا بل يلاحق الفاعل على سلوكه المجرم فالاحتيال والسرقة وخيانة الائتمان وغيرها تجرم لانها اعتداء على الثقة والمال والامن الاجتماعي ولو كانت السذاجة تسقط الحماية لما بقي معنى للتجريم ولا للردعكما ان المسؤولية المدنية تقوم على الخطأ والضرر وعلاقة السببية فاذا كان الضرر قد نتج عن خداع او اخفاء حقيقة او تقديم معلومة كاذبة فان المسؤولية تلاحق من تسبب بالضرر حتى لو كان المتضرر بسيطا او قليل الخبرة لان المعيار هو خطأ الفاعل لا مستوى ذكاء الضحية.صحيح ان القانون يميز احيانا بين الخطأ المعتاد والخطأ الجسيم وقد ينظر في درجة الحرص المطلوبة في بعض المهن والظروف لكن هذا لا يعني سقوط الحماية بل يعني تقييم الوقائع بعدل وواقعية ومع ذلك تبقى القاعدة ان حماية الناس من الاستغلال مقصد ثابت وان العدالة لا تعاقب حسن النية.اخطر ما في هذه العبارة انها تنتج ثقافة لوم الضحية وتمنح الغشاش حصانة معنوية بينما المطلوب ترسيخ ثقافة قانونية تقول ان الثقة الاجتماعية قيمة محمية وان من استغلها يتحمل تبعة فعله وان وجود قانون قوي يعني وجود حماية للبسطاء قبل غيرهم لانهم الاكثر عرضة للوقوع في الخداعما لا تعرفه عن مقولة.. القانون لا يحمي المغفلين
مدار الساعة ـ









