اعتدتُ الكتابة منذ أيام البكالوريوس، واليوم، وأنا دكتورة في الإعلام، ما زلت أكتب بالمنطق ذاته:
لا أضع حرفًا على الورق إلا إذا كان يشبهني، إلا إذا عبّر عمّا أشعر به فعلًا، وما ينسجم مع مبادئي، بغضّ النظر عن توافقه أو اختلافه مع رأي المجتمع، مع كامل احترامي للاختلاف، لكن قلمي لم يكن يومًا رهينة الإجماع، ولا تابعًا لما يُرضي الأكثرية على حساب الصدق. الاستحقاق الذاتي في الخطاب الشائع في الآونة الأخيرة، برز مصطلح الاستحقاق الذاتي بكثافة على منصات التواصل الاجتماعي: فيديوهات قصيرة، منشورات سريعة، وأصوات تصف نفسها بـ “المؤثرة"، الا ان كثير من هذا التأثير بقي حبيس الأرقام: عدد مشاهدات، إعجابات، وضجيج أكثر من معنى. الأكثر إشكالية أن الاستحقاق اختُزل في رفاهية مالية ونمط حياة فاخر، وكأن الاستحقاق صار مجرد رقم في الحساب البنكي، لا وعيًا، ولا توازنًا، ولا اكتمالًا داخليًا. الاستحقاق الذاتي الحقيقي بعد تجارب كثيرة، وفي عمر لم يعد في بداياته، تتضح الصورة بشكل مختلف، ببساطة ان الاستحقاق الذاتي ليس ما تملكه، بل ما تختاره، هو الدائرة التي تحيط بك: الأشخاص الذين تسمح لهم بالاقتراب المبادئ التي لا تساوم عليها القرارات التي تسلك بك طريقًا تشعر فيه بالرضا لا بالاستنزاف. الاستحقاق الحقيقي يعني أن تعيش حياة تشبهك، لا حياة تُرضي الصورة أو تملأ فراغًا مؤقتًا. تحمّل النتائج: جوهر الاستحقاق الاستحقاق الذاتي الحقيقي لا ينفصل عن القدرة على تحمّل نتائج الاختيارات. كثيرون يتحدثون عن الاستحقاق من زاوية المطالبة فقط: “أنا أستحق الأفضل”. قليلون من يتوقفون عند السؤال الأصعب: هل أنا مستعد لتحمّل ثمن هذا الأفضل؟ ثمنه النفسي والاجتماعي، وأحيانًا أن تكون مختلفًا أو غير مفهوم، أو أن تخسر علاقات لم تعد تشبهك. الاستحقاق الناضج لا يَعِد بالراحة الدائمة، بل بالانسجام الداخلي، ولا بالتصفيق، بل بالسلام مع النفس. البُعد المؤسسي والوطني الاستحقاق الذاتي ليس حكرًا على الأفراد، بل مفهوم تدركه بعض الدول وتعمل عليه بوعي. يمكن ملاحظة نماذج نجحت في ترسيخ شعور الاستحقاق لدى مواطنيها في التعليم، الصحة، جودة الخدمات، واحترام الإنسان داخل بلده وخارجها، حين يشعر المواطن أنه يستحق، لا بتعالٍ، بل بثقة، ينعكس ذلك على سلوكه وصورته عن ذاته أينما وُجد. وهنا يصبح الاستحقاق جزءًا من الوعي الجمعي، تمامًا كما نُنمّي مفاهيم الانتماء والولاء الوطني. الاستحقاق الذاتي ليس مجرد ترند من المهم التأكيد أن الاستحقاق الذاتي ليس ترندًا لغويًا، ولا شعارًا ظرفيًا، ولا قرارًا يُتخذ بين ليلة وضحاها. هو مسار تراكمي طويل، يتطلّب وعيًا، تعليمًا، مؤسسات، وثقافة عامة لا تختزل المفاهيم ولا تُفرغها من معناها. ومن هنا، يصبح من الضروري إعادة الاعتبار لهذا المصطلح، وإخراجه من دائرة الاستخدام الاستهلاكي أو الشعبوي. الاستحقاق الذاتي ليس تبريرًا لمظاهر الرفاه، ولا غطاءً لاختيارات فارغة، ولا تمرّدًا مشوّهًا على القيم والعادات باسم الحرية. نحو منهج وعي حقيقي دعونا نعطي المفاهيم حقها، دعونا نحوّل الاستحقاق الذاتي من منشور عابر إلى منهج وعي، ومن مقطع سريع إلى ثقافة تُزرع في العقول، وتُمارَس في المؤسسات، لا لنلحق ترندًا، بل لأننا فعلًا نستحق أن نكون جزءًا من رؤية متكاملة، تحترم الإنسان، وتُحمّله—بقدر ما تعطيه.الحنيطي تكتب: ليس ما تملك.. بل ما تختار
مدار الساعة ـ