مدار الساعة - كتب الدكتور عبدالعزيز عبداللطيف البدري -
يشهد قطاع التأمين في دولة الإمارات نهضة متسارعة تكاد تشبه الحلم، إذ تجاوزت الأقساط المكتتبة تسعةً وعشرين مليار درهم في عام 2024، بمعدل نمو يقترب من ثمانية في المئة. لم يأتِ هذا الازدهار صدفة، بل كان ثمرة بيئة تشريعية ناضجة ورقابة دقيقة من المصرف المركزي وهيئة التأمين، ما جعل السوق أكثر انضباطاً وجرأة على التجديد، وأرسى معايير جديدة للتميز والمنافسة.في قلب هذا المشهد، تبرز تكافل الإمارات كقصة نجاح تُروى بفخر. شركة أعادت تعريف ذاتها، فانتقلت من خسارة ثقيلة بلغت 12 مليون درهم إلى ربح صافٍ تجاوز 11 مليون درهم، وقفزت بإيراداتها إلى أكثر من 420 مليون درهم بنسبة نمو مذهلة بلغت 84 في المئة. لكن الأرقام هنا ليست سوى العنوان؛ أما الحكاية الحقيقية فهي حكاية إرادة أعادت ترتيب البيت من الداخل، واستبدلت التحدي بالفرصة، والخسارة بالبدايات الجديدة.اعتمدت الشركة رؤية متجددة تنطلق من إعادة هندسة عملياتها التشغيلية، وتعظيم كفاءة رأس المال، وتطويع الذكاء الاصطناعي ليصبح شريكاً في اتخاذ القرار وتحليل المخاطر وتسريع معالجة المطالبات. وبفضل هذا التحول، تقلّص زمن إنجاز المطالبات الطبية بأكثر من الثلث، فيما تحوّلت القنوات الرقمية إلى جسور تواصل أكثر دفئاً وشفافية مع العملاء. ومع كل خطوة، كانت الثقة تنمو، والولاء يترسخ، لتتشكل منظومة متكاملة تجمع بين الكفاءة والتحول الرقمي وتجربة المتعامل، فتغدو رافعة حقيقية للربحية والاستدامة.وجاء هذا التحول في ظل بيئة اقتصادية صنعتها حكومة الإمارات بثبات ورؤية واضحة، مما منح الشركات إطاراً تشريعياً مستقراً يحفز النمو ويشجع الابتكار. وكان للمصرف المركزي دور محوري في تعزيز الحوكمة والانضباط المالي ورفع معايير الشفافية، بينما رسّخ سوق أبوظبي للأوراق المالية وسوق دبي المالي ثقة المستثمرين عبر منظومة رقابية وإفصاحية قوية وفرت بيئة جاذبة لرأس المال. هذه المنظومة كانت عاملاً رئيسياً في نجاح الشركة وقدرتها على النمو المستدام.إقليمياً، يتحرك المشهد التأميني الخليجي في تناغم مدروس؛ فالسوق السعودية تتصدر بأقساط تتجاوز خمسة وأربعين مليار ريال، بينما تمضي قطر والبحرين وعُمان في مسارات نمو ثابتة تتراوح بين ثلاثة وخمسة في المئة. أما الإمارات، فتبقى في موقع الريادة، حيث يتواصل الطلب على التأمين الطبي وتأمينات الحياة، مدفوعاً بوعي متزايد بأهمية الحماية المالية وبقوة التحول الرقمي الذي جعل الخدمات أكثر قرباً من الناس.في هذا الإطار، تبدو تجربة تكافل الإمارات مرآة تعكس روح السوق الإماراتي: طموح لا يهدأ، وابتكار لا يتوقف، وقدرة على تحويل القوانين والحوكمة إلى ممارسة يومية تصنع الفرق. لم يكن النجاح مجرد تحسن في الأرقام، بل بناء كيان أكثر صلابة وأكثر قدرة على التكيف مع عالم تتغير ملامحه كل يوم.إن ما حققته تكافل الإمارات ليس إنجازاً مالياً فحسب، بل درس في القيادة والرؤية والإيمان بأن التحول الحقيقي يبدأ من الداخل. وعندما تصبح الحوكمة ثقافة، والتكنولوجيا لغة، والإنسان محور كل تطوير، تولد قصة نجاح تُضاف إلى سجل الإمارات الزاخر بالريادة، وتضيء طريق المستقبل لقطاع التأمين في المنطقة بأسرها.حقاً إن لا شيء مستحيل في الإمارات، فحتى التعثر وإن حدث، تأتي العقول المتخصصة والبيئة الاقتصادية والتشريعات الآمنة لتحوّله إلى قصة نجاح. فالحياة ضرب حقيقي من المحاولات المستمرة والكفاح.البدري يكتب: رحلة تحوّل تكتب فصلاً جديداً في مسيرة التأمين الإماراتي
مدار الساعة ـ











