أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات دين بنوك وشركات خليجيات مغاربيات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

بني عامر يكتب: أين تقف البلاد أمام سيناريو حلّ البرلمان؟


الدكتور عامر بني عامر

بني عامر يكتب: أين تقف البلاد أمام سيناريو حلّ البرلمان؟

مدار الساعة ـ

ليس من عادة الدولة الأردنية أن تُدار بالانفعال أو بردود الفعل. لكن من عادة الأردن، حين تشتد الموجة، أن يعيد ترتيب بيته السياسي بهدوء، قبل أن تأتي العاصفة وتفرض جدول أعمالها. وفي لحظة إقليمية غير مسبوقة، تتقاطع فيها الضغوط الدولية على الإسلام السياسي مع أثر اجتماعي وسياسي عميق لما بعد 7 أكتوبر، يصبح التفكير خارج المسار التقليدي خياراً مشروعاً، بل ضرورة.

إنّ الحديث عن -حلّ البرلمان أو الذهاب إلى انتخابات مبكرة- ليس حكماً على أداء المجلس الحالي، ولا انتقاصاً من شرعيته، بل محاولة لقراءة ما قد يأتي، فالبرلمان اليوم يتحرك داخل بيئة سياسية لم تعد تشبه تلك التي وُلد فيها قبل عام والأردن اليوم ليس كما كان الحال عليه قبل عامين: خريطة حزبية تتبدل، قواعد اجتماعية تغيرت، وضع ديمغرافي ملتبس، وحساسية داخلية تصاعدت بفعل التطورات الإقليمية، وبالتوازي، هناك ملف ثقيل يقترب: التوجّه الأمريكي نحو إعادة تصنيف جماعة الإخوان المسلمين، وما قد يتبعه من اتهامات قد تكون لحزب جبهة العمل الإسلامي أو شخصيات مرتبطة به، قد يَشمل، وقد يتجاوز، وقد يتوسع، لكن يكفي أنه مطروح ليصبح جزءاً من معادلة القرار في عمّان.

دون تهويل، هذا المتغير وحده قادر على خلق بيئة سياسية جديدة خلال أسابيع لا شهور، وإذا دخل هذا الملف إلى الطاولة، فسيجد البرلمان نفسه—بتركيبته الحالية—في قلب مشهد قد يكون أكبر من أدواته. وهذا لا علاقة له بالأداء، بل بالبنية، ولا علاقة له بالرأي بل بالواقع، الأردن لا يستطيع أن يكون طرفاً مباشراً في خلاف خارجي، لكنه لا يستطيع أيضاً أن يتجاهل أثره على الداخل.

وبرغم أن حل البرلمان خطوة ثقيلة في أي بلد، إلا أنها ليست غريبة على التجربة الأردنية، فقد استخدمت الدولة هذا الخيار سابقاً عندما احتاجت إلى إعادة ضبط الإيقاع السياسي، أو فتح الباب أمام دورة جديدة أكثر انسجاماً مع المتغيرات. الجديد الآن أن الحل، إذا طُرح، لن يكون منفصلاً عن نقاش آخر: هل تكفي المدة الدستورية الحالية—أربعة أشهر—لإجراء انتخابات في ظل بيئة سياسية لم تستقر بعد؟ الجواب الواقعي: على الأرجح لا، وهنا يبرز سيناريو مرتبط بتعديل الدستور وإطالة أمد إجراء الانتخابات وهذا التعديل قد يكون واقعاً مفروضاً للحفاظ على خطوات الدولة في مسار التحديث السياسي.

لذلك فالإصلاح لا يُقاس بالسرعة، بل بالقدرة على إنتاج حياة حزبية مستقرة لا تُبنى تحت الضغط، والأحزاب، التي تراجعت عضويتها من 93 ألفاً إلى 85 ألفاً خلال عام واحد، تحتاج وقتاً لتعيد تنظيم نفسها قبل أن تدخل أي منافسة جديدة، كما يحتاج البرلمان نفسه إلى مساحة لتهدئة التوتر الداخلي، وترتيب علاقة الكتل ببعضها، والخروج من حالة المناكفة التي فرضتها لحظات 7 أكتوبر وما بعدها.

من جهة أخرى، ليس استمرار البرلمان الحالي حتى نهاية مدته خياراً مستبعداً، قد يمنح الدولة وقتاً أطول للعمل التشريعي، ويمكّن الحكومة من استكمال ملفات كبرى مثل الضمان الاجتماعي والإدارة المحلية والجمعيات، لكنه خيار يتطلب قدرة سياسية عالية على إدارة الضغوط الخارجية التي قد تصنع واقعاً جديداً بين ليلة وضحاها.

الخيارات إذن ليست بين الأبيض والأسود.

نحن أمام مجموعة سيناريوهات، لكل منها منطقه وزمنه وأدواته:

– استمرار البرلمان: ممكن، لكن يحتاج إلى إدارة سياسية دقيقة.

– حل البرلمان: وارد، لكن يحتاج إلى رؤية لا إلى رد فعل.

– تعديل دستوري يوسّع هامش الزمن: ليس ترفاً، بل ضرورة إذا كانت الدولة تريد إدارة المرحلة بقرارها، لا بضغط الظروف.

في السياسة لا توجد حلول نهائية، بل لحظات تقرر فيها الدول مدى استعدادها للمستقبل. والأردن، بتجربته الطويلة، يعرف أن الاستقرار لا يأتي من تجاهل المتغيرات، بل من مواجهتها بمرونة وحكمة، المهم اليوم ليس اتخاذ قرار فوري، بل فتح النقاش قبل أن تفتحه الظروف عنّا، فما دام القرار في يدنا، يبقى كل سيناريو فرصة لتثبيت الاستقرار، لا تهديداً له. أما إذا تأخرنا، فقد نجد أنفسنا نتعامل مع خيار وحيد فرضته اللحظة، لا تلك التي اخترناها نحن.

مدار الساعة ـ