استهدفت إسرائيل القائد العسكري لحزب الله في لبنان، وهي ممارسة مارستها سابقاً باستهداف قيادات سياسية وعسكرية للحزب ذاته، كما فعلت مع قيادات حركة حماس السياسية والعسكرية.
ما الذي تريده إسرائيل في لبنان؟ الإجابة عن هذا السؤال ليست صعبة؛ فهي تسعى لإنهاء دور الحزب، تماماً كما سعت لإنهاء حركة حماس في غزة. يتعرض حزب الله لضغوط شديدة؛ حيث تتضافر جهود قوى لبنانية رسمية وشعبية، بالإضافة إلى قوى عربية ودولية، للمطالبة بتسليم سلاحه تحت ذريعة عدم جرّ لبنان إلى المذبحة ومنع تكرار نموذج غزة. وتتزايد حدة هذه الضغوط خصوصاً أن العمليات الإسرائيلية الكبرى ضد لبنان توقفت جزئياً منذ شهر حزيران، لكنها استمرت بشكل متقطع في المناطق الجنوبية دون أن تصل إلى العاصمة، حتى الحادثة الأخيرة التي أججت الأجواء اللبنانية وقد تؤدي إلى حرب. يمارس هذا الضغط بشكل متزامن من جهات إسرائيلية ومحلية وعربية وإقليمية، وذلك لاعتبارات متباينة، فيما تبدو الحاضنة الإيرانية منشغلة بتحدياتها الخاصة. إذا عقدنا مقارنة مع حركة حماس، نجد تشابهاً لافتاً؛ فحركة حماس أيضاً تواجه قوى فلسطينية محلية تطالبها بتسليم السلاح والانصياع لأي مشروع بديل. هذه القوى تلتقي، بشكل أو بآخر، مع المستهدفات الإسرائيلية، وإن اختلفت الدوافع؛ فالنتيجة واحدة، وهي تسليم السلاح لوقف المذبحة. وإلى جانب القوى المحلية، هناك قوى عربية ودولية تسعى للوصول إلى النتيجة ذاتها داخل غزة وفلسطين المحتلة. تاريخ حركات المقاومة لا يسجل ظاهرة لنشوء قوى محلية تنقلب على المقاومة لاعتبارات معينة؛ فالعداء يكون غالباً من طرف الاحتلال. لكن الظروف الراهنة أنتجت ظاهرة جديدة بعد تفتيت النظام الرسمي العربي وسقوط التحالفات الإقليمية وضعف الدول الداعمة لحركات المقاومة وعجز الشعوب عن الاستمرار. تتمحور هذه الظاهرة حول نشوء قوى محلية تستهدف أي حركة مقاومة تحت ذرائع مختلفة عن ذرائع الاحتلال، لكن المحصلة النهائية واحدة، وكأن دور القوى المحلية أصبح وظيفياً يشارك الاحتلال في ممارسة الضغط على أي حركة مقاومة.حركات المقاومة بحاجة إلى إسناد شعبي، وبدون الإسناد الشعبي يشتد الخطر عليها، خصوصاً حين يتكاثر الخصوم هنا من كل الجهات، وتقف أي حركة أو حزب أمام موجة من الاستهدافات، بعضها محلي بحت، وبعضها الآخر محلي مُدار من الخارج، وبعضها إقليمي أو دولي، وآخرها الاحتلال ذاته في هذه الحالة. العقدة في ملف حزب الله تكمن في أمر حساس، حيث تعرض الحزب لضربات قوية، وبرغم السؤال عن طبيعة الرد على اغتيال القائد العسكري للحزب، فإن الترجيحات تقول إنه لن يرد، لأنه يعرف أن إسرائيل تريد استدراجه إلى حرب أوسع، ولأنه غير قادر على أخذ لبنان إلى مذبحة كبرى قد تؤدي إلى احتلال لبنان برياً بشكل كامل، وسط خلخلة شعبية ومواقف متغايرة من سياسة الحزب، وهذا يعني أن الرد سيكون محكوماً بجملة عوامل، فيما الاحتلال يريد إنهاء ملف حزب الله بالكامل ليتفرغ لجبهات إيران واليمن والعراق على التوالي، وهذا يعني أن قرار الرد على الاغتيال سيخضع لحسابات الإقليم، وليست للحسابات الداخلية للحزب فقط. يبقى السؤال المهم: هل خصوم الداخل في النموذجين الفلسطيني واللبناني يمثلون حالة محلية داخلية مشروعة، أم يمثلون شراكة مباشرة أو غير مباشرة مع أجندة الاحتلال...؟!. وليُبْرِق لنا من يعرف الإجابة.خصوم الداخل مع الاحتلال أو ضده؟
مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ