أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب مجتمع أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة جاهات واعراس مستثمرون شهادة الموقف مناسبات جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

الجولة الملكية.. تنويع الشراكات


محمود خطاطبة

الجولة الملكية.. تنويع الشراكات

مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ

جولة جلالة الملك في عدد من العواصم الآسيوية، واختيار إندونيسيا كإحدى محطاتها الرئيسة، إلى جانب اليابان وفيتنام وسنغافورة وباكستان، تأتي لتؤكد أن البوصلة الأردنية تتجه نحو إعادة رسم خريطة التحالفات الاستراتيجية.

وعليه، يُمكن قراءة هذه الزيارة باعتبارها تتويجًا لجسر تاريخي، وإطلاقًا لعُمق استراتيجي لا يمكن تجاهله، خصوصًا أن جاكرتا برهنت بأرخبيلها الشاسع وثقلها السكاني والإسلامي والاقتصادي المُتنامي، أنها شريك محوري، يستحق أن يكون في صدارة الأجندة الأردنية.

فقبل نحو شهر، وبالتحديد في السادس والعشرين من شهر تشرين الأول 2025، وقف جلالة الملك أمام مجلس الأُمة في افتتاح الدورة العادية الثانية لمجلس الأُمة العشرين، بوقاره المعهود، وثقته التي تبعث الطمأنينة في نفوس الأردنيين، قائلًا في خطاب العرش السامي: «إننا نقف اليوم أمام الكارثة التي يعيشها أهلنا الصامدون في غزة، وأن الأردن لن يتخلى عنهم، وأن وقوفنا الأخوي معهم ليس بالكلام، بل بالفعل والموقف الصادق، وأننا سنواصل بكُل إمكانيات المملكة إرسال المُساعدات الإغاثية، وتقديم الخدمات الطبية الميدانية، وكُل أشكال الدعم التي تُخفف عنهم وطأة المُعاناة».

هذه الخلفية الإنسانية والسياسية، تجعل من الجولة الآسيوية التي يقوم بها جلالة الملك اليوم، خطوة مُتصلة، ذات معنى يعكس التزام الأردن تجاه قضايا أُمته وعلاقاته الاستراتيجية في آن واحد.

إن اختيار أكبر دولة إسلامية، من حيث التعداد السكاني، وواحدة من أكبر الاقتصادات الآسيوية، يشي بوعي معهود، وفكر ملكي استراتيجي، يُدرك أن الأمن القومي لا يُصان بالارتكاز على محور واحد، بل بتوسيع رقعة الأصدقاء المؤثرين، فكان هذا التوجه بمثابة إبحار جريء في مياه العولمة المُعقدة، مُستهدفًا دولًا ذات ثقل إسلامي واقتصادي عظيم، وفيها يستخدم الأردن ثقله كوسيط إسلامي مُعتدل ومؤثر، لبناء شبكة دعم دولية تتجاوز نطاق الجغرافيا.

وأقول إن التركيز على إندونيسيا، التي تحمل تاريخًا طويلًا من التضامن مع القضية الفلسطينية، يُتيح للأردن تأطير موقفه، الرافض لاستمرار الانتهاكات في الضفة الغربية، وللتأكيد على الدور المحوري للمملكة تجاه الوصاية الإسلامية، فموقف الملك راسخ لا يلين.

إن جاكرتا وغيرها من العواصم الآسيوية، تُصبح في هذا السياق أرضًا خصبة، لتعزيز رسالة الأردن حول الوصاية الهاشمية، ودور المملكة في حماية المُقدسات، مُستندًا إلى قوة الدعم الشعبي والرسمي في هذه الدول.. وعليه، فإن الزيارة أكثر من دبلوماسية، بل استثمار في القوة الناعمة، وفي مفهوم الأمن الشامل، الذي يربط بين الاقتصاد والدفاع والدور الديني.

باختصار، يُمكن النظر إلى هذه الجولة على أنها نقلة نوعية في الفكر الاستراتيجي الأردني.. إنها مُحاولة حثيثة، لتمتين الأركان، وبناء قلاع الدعم في الشرق، بعيدًا عن تقلبات المشهد الغربي والإقليمي.. فجلالة الملك يُدشن بذلك فصلًا جديدًا من الدبلوماسية النشطة، ليجعل من عمان نقطة ارتكاز إسلامية ودولية، ذات امتداد آسيوي عميق.

نعم، حكمة الملك وحنكته تجلت في كُل خطوة من هذه الجولة، فكُل تحرك وكُل لقاء، مثل قرارًا استراتيجيًا، حمل معان عميقة، لكُل من الأردن واندونيسيا، فهو يعكس فيما يعكس قُدرة المملكة على قراءة المشهد الإقليمي والدولي، واستشراف فُرص التعاون والشراكة.. وهو يؤكد أن هذه الجولة تتجاوز العلاقات الثنائية، لتُصبح إسهامًا حيًا في بناء مُستقبل المنطقة واستقرارها وازدهارها، وأن ما يُبنى اليوم من جسور ودعم وتفاهم، هو استثمار حقيقي في أمن المنطقة وسلامتها وازدهار شعوبها.

مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ