أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات مغاربيات دين بنوك وشركات خليجيات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

الحسبان يكتب: من أجل سياسة تصنع قادتها.. مقاربة تنموية للتوسع في برامج وزارة الشباب


فهد الحسبان

الحسبان يكتب: من أجل سياسة تصنع قادتها.. مقاربة تنموية للتوسع في برامج وزارة الشباب

مدار الساعة ـ

“دعم واستدامة البرامج والمشاريع المعنية بالتمكين السياسي في وزارة الشباب (مثل المعهد السياسي، وشبكة القيادات الشبابية)، واستحداث مشاريع جديدة تعزز المشاركة السياسية للشباب.”

— اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية/ لجنة الشباب/ توصيات عامة للوزارات والمؤسسات المعنية بالعمل الشبابي / وزارة الشباب / ٦

لم تكن هذه التوصية مجرد بند عابر في وثيقة إصلاحية، بل كانت نداءً مبكرًا لإعادة هندسة العلاقة بين الدولة والشباب، ونقلهم من هامش الفعل السياسي إلى مركزه. واليوم، حين ننظر إلى المسار الذي قطعته المؤسسات الوطنية في التحديث السياسي، يصبح لزامًا أن نعود إلى تلك التوصية، لا لنكررها، بل لنكملها، ولنضعها في سياق وطني جديد ينسجم مع ما وصلت إليه الدولة من فهم أعمق لدور الشباب في بناء المستقبل.

لقد مثّلت شبكة القيادات الشبابية واحدة من أكثر التجارب الأردنية قدرة على إعادة صياغة الوعي السياسي لدى الشباب. لم تكن الشبكة مجرد مشروعا عابرا، بل كانت محاولة جريئة لنقل الشباب “من ثقافة الاحتجاج إلى ثقافة الإنتاج”. وقد نجحت حينها قبل أن يتم ايقافها في عهد دولة الدكتور بشر الخصاونة، نجحت في خلق بيئة حوارية واعية، تتيح للشباب أن يتجاوزوا الانفعال إلى الفعل، وأن ينتقلوا من رفض الواقع إلى القدرة على تغييره، لا من خلال الشارع، بل من خلال امتلاك أدوات الدولة وآليات الشأن العام. وإعادة تفعيل هذه الشبكة اليوم ليس مطلبًا رومانسيًا ولا استعادة لبرنامج قديم؛ بل هو ضرورة وطنية لكي لا تخسر الدولة واحدة من أهم منصات إدماج قيادات الأجيال القادمة.

وفي المقابل، جاء المعهد السياسي في وزارة الشباب ليقدّم تجربة نوعية أخرى، تقوم على شقين متكاملين: برنامج تدريب على فهم منهجية العمل الحكومي، وبرنامج موازٍ في فهم الدور الرقابي والتشريعي للبرلمان. هذا المعهد لم يقدّم دورات تقليدية، بل قدّم ما هو ريادي اكثر من ذلك: رؤية. رؤية تحوّل الشباب من متابعين لقرارات الدولة إلى قادرين على تحليلها، نقدها، والمساهمة في صناعتها. ان المعهد السياسي بوابة تصنع قيادات واعية تخرج من المحافظات وهي تفهم معنى الدولة، وتدرك أن السياسة ليست صراعًا على الصوت العالي، بل هندسة معقدة تتطلب علمًا وخبرة ومهارات إدارية دقيقة.

ومع ذلك، فإن هذه البرامج على أهميتها لا تزال تعمل في نطاق أقل بكثير من قدرتها الحقيقية. فالتمكين السياسي لا يتحقق من خلال التدريب وحده، بل من خلال خلق خط إنتاج وطني للقيادات الشابة. وهنا تبرز الحاجة إلى خطوة أعمق: برنامج الزمالات الحكومية للشباب. برنامج يستقبل سنويًا مجموعة من خريجي الشبكة والمعهد السياسي، ويضعهم لمدد زمنية حقيقية داخل الوزارات والمؤسسات ذات الطابع التنفيذي، ليعيشوا تجربة الإدارة العامة من الداخل، ويفهموا بنية القرار الحكومي، ويكتسبوا مهارات القيادة المؤسسية الحقيقية. مثل هذا البرنامج لا يعزز المهارات فقط، بل يعيد تشكيل عقلية الشباب، وينقلهم من التنظير إلى الممارسة، ومن الفكرة إلى التنفيذ. وهو النموذج الوحيد القادر على ربط المحافظات بالمركز ربطًا صحيًا، بحيث تبقى النخبة الجديدة متجذّرة في مناطقها، لكنها متصلة بمعرفة الدولة من الداخل.

وإلى جانب الزمالات، يصبح من الضروري توسيع هذه البرامج عبر بناء حواضن مستدامة للتمكين السياسي؛ حواضن تعتمد على التدرج: توعية سياسية مبكرة، تدريب على العمل العام، ثم تدريب على المهارات الحزبية، وصولًا إلى مهارات القيادة وصناعة القرار. كما يمكن للوزارة "بالشراكة مع الجامعات والأحزاب والمجالس المحلية" أن تبني مسارًا وطنيًا يبدأ من المدارس وينتهي في مراكز القرار. فالتنمية السياسية ليست نشاطًا موسميًا، بل بنية عمل طويلة الأمد تحتاج إلى موارد مستدامة، ومناهج تُحدث سنويًا، وهيئات إشراف مستقلة تعيد تقييم كل خطوة.

إن تفعيل مشروع شبكة القيادات الشبابية، وتطوير المعهد السياسي، وإدماجهما في برنامج زمالات حكومي وطني، يمثل مشروع دولة حقيقيًا، لا مشروع وزارة وحدها. إنه محاولة لصناعة جيل يقود لا جيل ينتظر، وجيل ينتج لا جيل يحتج، وجيل يحفظ المؤسسات لا يبتعد عنها. جيل يعرف الطريق إلى السياسة ويعرف أيضًا حدودها وواجباتها.

ولذلك، فإن رسالتنا لوزارة الشباب لا تأتي بصيغة المناشدة، بل بصيغة الشراكة في بناء المستقبل: أعيدوا تفعيل شبكة القيادات الشبابية، عززوا المعهد السياسي، وابدأوا من الآن بصناعة نخبة وطنية جديدة. فالأمم لا تُبنى بالصدفة، بل تُبنى عندما تمتلك الحكومة شجاعة الاستثمار في شبابها، وتمنحهم فرصة ليصبحوا جزءًا من عقل الدولة لا مجرد جمهور يصفّق أو يعترض.

مدار الساعة ـ