وفق تقديرات إحصائية، سيتضاعف عدد سكان العاصمة عمان بعد نحو عقدين من الزمن. هذا يعني أن كل ما نواجهه اليوم من اكتظاظ سكاني وأزمات مرور ومشاكل بيئية وخدمية وطلب متزايد على مياه الشرب، سيتفاقم بشكل أكبر، إلى درجة تهدد استمرار الحياة في عمان، على غرار ما تعانيه العاصمة الإيرانية طهران.
بلغ الأمر بالرئيس الإيراني حد القول إن نقل العاصمة لم يعد خيارا، بل شيء إجباري وحتمي، بسبب الاكتظاظ السكاني، وأزمة المياه المتفاقمة، جراء انحباس الأمطار في السنوات الأخيرة.عدد سكان طهران، تقريبا ضعف عمان. إمكانيات إيرانية الاقتصادية وتنوع مناخها، وتعدد مصادرها المائية، أكثر بكثير من موارد وقدرات الأردن، آخذين بعين الاعتبار أن إيران تخضع لعقوبات اقتصادية شديدة، تحد من قدرتها على تنفيذ مشاريع كبرى في قطاعات حيوية كالمياه والطاقة والنقل.لكننا في المقابل نخضع أيضا لعقوبات من الطبيعة، فمواردنا المائية شحيحة للغاية، ويصنف بلدنا بين أكثر البلدان فقرا في المياه. ومواسم الشتاء في السنوات الأخيرة لا تبشر بالخير، وإمكانياتنا الاقتصادية محدودة أيضا. منذ سنوات والحكومات المتعاقبة، تكافح لتوفير التمويل اللازم لتنفيذ مشروع الناقل الوطني من العقبة إلى عمان ومدن أخرى، والمفترض أن يوفر 300 مليون متر مكعب.المشروع أصبح أخيرا على سكة التنفيذ، ومن المفترض إنجازه بعد نحو خمس سنوات على انطلاق العمل رسميا بعد أشهر.عند حلول ذلك الموعد ستكون احتياجات عمان من المياه قد ارتفعت بنسبة لاتقل عن 40 %. وبعدها بخمس سنوات، سنكون بحاجة لموارد مائية جديدة لتلبية الطلب والزيادة السكان والهجرة من الأطراف إلى العاصمة.مشكلة التمركز السكاني في العاصمة ليست حالة أردنية خاصة. دول كثيرة تعاني من هجرة الشباب من الريف إلى المدن الكبرى، خاصة في العالم الثالث. بالنسبة لعمان، تحدي المياه يأتي في المرتبة الثانية أو الثالثة، مقارنة بطهران مثلا. مشكلتنا الأكبر هى التمركز العالي للسكان، والافتقار لحلول مرورية، في مدينة تضيق مساحتها، وتكتظ بالمشاريع التجارية والعقارية والأسواق، ولا تملك في المقابل الموازنات اللازمة لتنفيذ حلول مرورية غير تقليدية، ناهيك عن التوسع العشوائي، الذي لم يعد يترك للمتابع مجالا لمعرفة حدود لمدينة عمان.ليس هناك من حلول على المدى البعيد سوى الاستثمار بمدن جديدة، وليس مدينة واحدة، باتجاه الشرق والجنوب. مدن بمواصفات جديدة وعصرية، تحفز الأجيال الشابة بالعيش فيها، وتوفر لهم متطلبات الحياة العملية والخدمية.يتطلب إنجاز مثل هذه المشاريع سنوات طويلة، لكن لا بد من بداية سريعة، لأننا بحق في سباق مع الزمن. الحكومة تخطط حاليا لإطلاق حزمة مشاريع بمنطقة عمرة جنوب شرق عمان، مثل ملعب دولي لكرة القدم، ومدينة ترفيهية ومركز معارض، ليكون نواة لمشاريع أوسع تجذب سكان العاصمة والمدن القريبة، للانتقال إليها، لتشكل في المستقبل نموذجا حضريا لمدينة جديدة. بالنسبة للبعض، قد يبدو الأمر صعبا على التخيل، لكن لنتذكر، قبل عقود مضت، ما كان أحد من سكان عمان الصغيرة، يتخيل أن مناطق شاسعة وموحشة حول العاصمة، ستتحول إلى أحياء سكنية، تجعل من عمان مدينة كبرى. وفي البال أيضا مشاريع إسكانية، تحولت إلى مدن حية في قلب عمان، كمشروع إسكان أبو نصير.عمان ستنفجر من الداخل إذا لم يجد أهلها متنفسا خارجها. وإذا بقى الحال على ما هو عليه، فقد نصحو على رئيس وزراء يصيح مطالبا سكان عمان بمغادرتها، مثلما يحدث حاليا مع مسعود بزشكيان في طهران.حتى لا تواجه عمّان مصير طهران
مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ