على امتداد خمسة عشر عاما، وجد الأردن نفسه في قلب أزمات لم يخترها، من انقطاع الغاز والطاقة، إلى استقبال ملايين اللاجئين، ثم جائحة عالمية وحروب تتقاطع مع الاقتصاد العالمي، الا انه لم ينهار ، ولم يغرق في الإفلاس أو التضخم، واستمر بحماية مواطنيه، بفضل المديونية التي يراها البعض خطيئة، لكنها انقذتنا جميعا، فما الحقيقة اذن؟.
المديونية لم تصرف للترف ولا للفساد، بل كانت السند وقت الضيق، وأداة للدولة للحفاظ على الكهرباء، والغذاء، والدواء، والرواتب، والأمن، والاستقرار، وبالرغم من حجمها الكبير، فقد جنبت الأردن الانهيار حين انهارت اقتصادات حولنا، وحافظت على استقرار العملة والمجتمع، وجعلت البلاد قادرة على مواجهة كل التحديات ما يجعل من المديونية، رغم كل ما يقال عنها، بطلا غير مرئي.أنا شخصيا أقرأ المديونية بلغة النتائج، ولذلك لا أحمل أي حكومة سابقة مسؤولية ارتفاع الدين، فجميعها واجهت تحديات معقدة فرضت عليها الاستدانة، فربما لم يشعر البعض بكل تلك الأزمات، لكن الاستقرار الذي يعيشه الأردني اليوم مقارنة بما يجري حوله شاهد على نجاح الدولة في تجنيب البلاد سيناريوهات كارثية لولا الاقتراض.ففي عام 2010 لم تكن المديونية تتجاوز عشرة مليارات دينار، قبل أن ينقطع الغاز المصري بعد تفجيرات الربيع العربي، ما أجبر الأردن على توليد الكهرباء بالوقود الثقيل والديزل بكلفة بلغت نحو ثمانية مليارات، فارتفع الدين إلى ثمانية عشر مليارا، فكان ارتفاعا منطقيا وضروريا لتفادي العتمة وشلل القطاعات.ومع اندلاع الأزمة السورية، استقبل الأردن ما يقارب مليونا ونصف المليون لاجئ، وهو عبء لم يكن عابرا بل واقعا يوميا أثقل المدارس والمستشفيات والطرق، بالتزامن مع تراجع التزامات المجتمع الدولي، لتتحمل الدولة أعباء تجاوزت خمسة عشر مليار دينار، ما رفع الدين إلى نحو ثلاثة وثلاثين مليارا.وخلال الفترة بين 2011 و2019، عاش الإقليم اضطرابات أمنية وإغلاقات حدودية وتراجعا في الصادرات والسياحة، ما أدى إلى عجز سنوي متكرر تطلب الاقتراض لضمان استمرار الخدمات الأساسية وعدم انهيار أي قطاع.ثم جاءت جائحة كورونا عام 2020 لتضيف فصلا جديدا في الأعباء، فمول الأردن القطاع الصحي وحافظ على الرواتب ومنع فقدان السلع الأساسية والتسريح الجماعي للعمالة، ما كلف أكثر من أربعة مليارات دينار، لكنه حمى البلاد من انهيار كان سيستغرق سنوات للتعافي منه.وعندما اندلعت الحرب الروسية–الأوكرانية، ارتفعت أسعار الطاقة والغذاء عالميا، وتحملت الخزينة ما يقارب مليارا ونصف المليار دينار نتيجة تثبيت أسعار المحروقات ودعم القطاعات وتخفيف أثر التضخم وتعطل سلاسل التوريد. ثم جاء العدوان على غزة وما تبعه من اضطرابات إقليمية، فكلف الأردن أكثر من أربعة مليارات خلال عامين للحفاظ على الاستقرار المالي والنقدي والاجتماعي.خلاصة القول، من السهل استخدام ملف المديونية للمناكفات السياسية، لكن الصعب هو قراءة الصورة كاملة، فكل دين كان له سببه ودوره ومبرره، ولولا هذه المديونية المنضبطة، لما بقي الاقتصاد متماسكا، ولا العملة مستقرة، ولا الدولة قادرة على مواجهة الكوارث المتلاحقة التي ضربت العالم والإقليم.هكذا ارتفعت مديونية الأردن..
مدار الساعة (الرأي الأردنية) ـ