أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات دين بنوك وشركات خليجيات مغاربيات ثقافة رياضة اخبار خفيفة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

شطناوي يكتب: السردية العشائرية الأردنية وتاريخ الدولة


أحمد طناش شطناوي
شاعر أردني :: رئيس فرع رابطة الكتاب الأردنيين/إربد

شطناوي يكتب: السردية العشائرية الأردنية وتاريخ الدولة

أحمد طناش شطناوي
أحمد طناش شطناوي
شاعر أردني :: رئيس فرع رابطة الكتاب الأردنيين/إربد
مدار الساعة ـ

مما لا شك فيه أن الهوية لا تُكتب في الفراغ، وأن الدول لا تولد من الصدفة؛ وإنما تنشأ حيث يتراكم الوجود البشري ويتحول إلى وعي جماعي وحق تاريخي، إذ لا يمكن مقاربة الهوية الوطنية الأردنية أو فهم سرديتها العميقة دون الانطلاق من البنية العشائرية التي تشكّلت عبر القرون، فهذه البنية تمثل الإطار الاجتماعي الأول الذي انتظمت داخله الجماعات البشرية في شرق الأردن؛ فقد شكلت العشائر خريطةٌ متحركةٌ للوجود الإنساني داخل الجغرافيا الأردنية، وهذه الخريطة تعكس تاريخًا ممتدًا من التنقل والتحالف والتكامل والتفاعل مع التحولات الكبرى التي مرّت بها المنطقة، خصوصًا خلال الحقبة العثمانية وما سبقها.

ولقد شهدت العشائر الأردنية، على امتداد القرون، موجات متعاقبة من الاستقرار والتنقل، فرضتها ظروف الأمن والاقتصاد والحكم، وكانت هذه التحركات جزءًا أصيلًا من إيقاع الحياة في الشرق العربي؛ وقد تراكمت هذه الحركات مع الزمن لتصنع جغرافيا اجتماعية وسياسية متماسكة، نشأت فوقها لاحقًا الدولة الأردنية الحديثة؛ ومن هنا فإن الحديث عن الدولة لا يمكن فصله عن تلك السردية التاريخية التي صنعت الحضور الأردني على الأرض وبلورت مفهوم الجماعة والولاء والانتماء.

وهنا تكمن نقطة الارتكاز، فالسردية الوطنية الأردنية ليست سردية مبتورة أو طارئة، وإنما هي امتداد طبيعي لسيرورة اجتماعية سياسية تمتد عميقًا في تاريخ المكان؛ فالدولة الحديثة في لحظتها التأسيسية، لم تنبت بمعزل عن مجتمعها، فقد كانت ثمرة تطور داخلي تشكّلت جذوره في الفضاء العشائري الذي وضع اللبنات الأولى للنظام الاجتماعي، وقواعد التعايش، وأشكال التنظيم الأهلي، والعلاقة مع السلطة.

وبهذا الفهم، فإنه يمكن القول أن العلاقة بين العشائر والدولة هي علاقة تكامل تاريخي صنع معًا المشروع الوطني الأردني في مئويته الأولى، ورسّخ حق الأردنيين في صوغ سرديتهم المستقلة التي تعبّر عن وجودهم المتجذر في الأرض.

ونحن اليوم أمام لحظة تاريخية مضطربة، لكنّها واضحة في طبيعتها، فهناك مشروع استيطاني توسعي يسعى إلى إعادة كتابة تاريخ المنطقة، وإزاحة الشعوب الأصلية عن روايتها وحقها في المكان؛ فالمشروع الاحتلالي الذي ينادي به قادة الكيان المحتل ضمن رؤية إسرائيل الكبرى، يشكل سردية شاملة تحاول أن تنتج تاريخًا بديلًا يشرعن الوجود الاحتلالي داخل الجغرافيا العربية.

وهذا النمط من السرديات التي تنشئها القوى الاستعمارية تنطلق مما يسميه الفكر ما بعد الكولونيالي بالسرديات الإحلالية، التي تستهدف إقصاء الذاكرة الأصلية لصالح رواية مصطنعة؛ وفي مقابل هذه السردية لا بد أن تتشكل السرديات المقاومة كأداة لاستعادة الحق التاريخي وإعادة بناء الوعي الجمعي.

لذا فإن السردية الأردنية اليوم ليست خيارًا فكريًا أو رفاهًا معرفيًا، وإنما واجب وجودي لحماية حق الأردنيين في تاريخهم وأرضهم، وبالتالي فإن توثيق الحركة العشائرية، وتاريخ التشكّل الاجتماعي، ومسارات الاستقرار البشري، ومراحل تكوين الدولة، هو فعل دفاعي وسيادي في آنٍ معًا، لأنه يعيد تثبيت الحق التاريخي والمكاني للأردنيين، ويجعل من تاريخهم مادة مقاومة ضد أي ادعاء استعماري يسعى إلى طمس الوجود العربي الأصيل.

وهنا تصبح السردية الوطنية الأردنية بمفهومها الواسع مشروعًا معرفيًا سياسيًا، لا مجرد سرد للأحداث؛ وهي عنوان الدفاع عن الذات والهوية والجغرافيا في مواجهة مشاريع الإحلال والتوسع.

والدولة الأردنية اليوم، بقيادتها ومؤسساتها وهويتها المتماسكة، تمتلك القدرة على صياغة سرديتها التاريخية في صيغة علمية ووثائقية تعيد إحياء إرث المنطقة، وتؤكد الجذور الاجتماعية والسياسية التي سبقت نشوء الدولة الحديثة، لتشكّل رواية متكاملة في مواجهة روايات التزوير والاستيطان.

وما نحتاجه اليوم هو مشروع وطني شامل يعيد كتابة السردية الأردنية على أساسين واضحين:

أولًا: جذور تاريخية صلبة: من خلال توثيق تاريخ العشائر وتحركاتها، والتحولات التي مرت بها المنطقة، وارتباطها بالأمن الإقليمي والدولة العثمانية، وبناء إطار علمي يربط هذه الوقائع بالسياق السياسي والاجتماعي الذي مهّد لنشوء الدولة الأردنية.

ثانيًا: سردية دولة حديثة متنوعة، واثقة بجذورها، من خلال رواية تؤكد أن الدولة الأردنية هي نتاج تراكم اجتماعي، وامتداد طبيعي للإرث التاريخي، وتعبير عن وعي جماعي بالوجود والكرامة والحق في الأرض.

وبالمحصلة، فإن السردية الأردنية العشائرية والوطنية حق تاريخي للأردنيين في الدفاع عن وجودهم، وعن إرثهم، وعن سرديتهم الأصيلة أمام مشاريع التزوير والإحلال، ففي هذا العالم الذي تُصاغ فيه الحقوق بالقوة والوثيقة والمعرفة، تصبح السردية الوطنية حقًا وجوديًا وتاريخيًا، وحقل صراع لا يقل أهمية عن السلاح والسياسة.

وهذه دعوة للعشائر الأردنية لصياغة سرديتها التاريخية للمضي في مشروع صياغة السردية الأردنية المتماسكة، ليقف الأردن قيادةً وشعبًا على أرض صلبة، مثبتًا حقه، ومدافعًا عن مكانه في وجه كل مشروع يحاول أن يسرق الأرض أو يعيد تشكيل الذاكرة.

مدار الساعة ـ