في الطريق لتنفيذ بنوده، يواجه قرار مجلس الأمن الدولي بشأن غزة عقبات ومصاعب قد تؤخر تطبيقه أو تطيح به نهائيا.
تشكيل القوة الدولية ومهماتها ونزع سلاح حماس وهوية لجنة الإدارة التنفيذية للقطاع ليست سوى أمثلة على نوعية التحديات التي تعترض التنفيذ، ولننسَ بالطبع نوايا نتنياهو الخبيثة.لكن الشيء المؤكد، بعد هذا القرار غير المسبوق في تاريخ القضية الفلسطينية، أن قطاع غزة، الذي تنازعت حكمه السلطة الفلسطينية وحركة حماس لسنوات طويلة، أصبح بعد الأمس تحت الوصاية الأميركية الإسرائيلية وبموجب القانون الدولي. غزة لم تعد وفق منطوق القرار جزءا من الوطن الفلسطيني الواحد، لفترة "انتقالية" لا موعد لنهايتها. القطاع سيدار من قبل "مجلس سلام" دولي برئاسة الرئيس الأميركي حتى نهاية عام 2027 قابلة للتمديد، وبواسطة قوات دولية تشرف على أجهزة الخدمة المحلية المدنية والأمنية. صحيح أن القرار نص على انسحاب إسرائيل من غزة، لكنه ربط ذلك بحزمة من الشروط والتقديرات المستحيلة من الجانب الأميركي، وأكثر من ذلك منح القرار الأممي شرعية لاحتلال إسرائيل ل"المحيط الأمني سيظل قائما إلى حين تأمين غزة على نحو كافٍ من أي تهديد". حضور الأمم المتحدة في غزة يقتصر على الجانب الإنساني، ومجلس الأمن أصبح مجرد غطاء لإضفاء الشرعية على الخطة الأميركية لحكم القطاع، إذ إن مضمون القرار لا يشير إلى أي دور للمجلس سوى تلقي تقارير عن سير العمل كل ستة أشهر. الولايات المتحدة ستحكم القطاع دون أن تضطر إلى إرسال جندي واحد لغزة. دول عدة لم تتحدد بعد ستتولى المهمة تحت قيادة مجلس السلام، الذي بدوره سيتشكل من قيادات عالمية يختارها الرئيس الأميركي.إعمار القطاع بيد مجلس السلام حصرا. لا دور للأمم المتحدة ولا السلطة الفلسطينية ولا الدول العربية، هنا فقط إشارة للجامعة العربية، ودور بارز لمصر بحكم الجوار الجغرافي.مجلس السلام هو من سيتولى جمع الأموال من المانحين، وتحديد أولويات الإنفاق وخطط إعادة الإعمار، وتمويل عمليات الأجهزة المدنية والشرطية في القطاع. ومسألة الإعمار برمتها، تشكل أعقد ما في القرار من نصوص فضفاضة ومبهمة، وتخضع لتجاذبات كبيرة بين الجانبين الأميركي والإسرائيلي.والطريق لدولة فلسطينية في المستقبل، صار أكثر استحالة مما هو عليه الآن، إذ يتعين على السلطة الفلسطينية أولا أن تنجز الإصلاحات بدون تحديد ماهيتها و"تقدم أعمال إعادة تطوير غزة"، وتقتنع الولايات المتحدة وإسرائيل أنها أصبحت قادرة على إدارة القطاع من جديد، عندها وكما ينص القرار "قد تتوافر الشروط أخيرا لبلورة مسار موثوق نحو تقرير المصير وقيام دولة فلسطينية".هذا النص يشكل تراجعا صارخا عن قرارات سابقة لمجلس الأمن والجمعية العامة وغيرها من الهيئات الدولية، نصت بوضوح على وحدة الأراضي الفلسطينية المحتلة "الضفة الغربية وقطاع غزة" باعتبارها أرض الدولة الفلسطينية المعترف بها. بموجب القرار الأخير لمجلس الأمن، صار قطاع غزة مفصولا عن الضفة الغربية، ويخضع لحكم دولي "أميركي" واحتلال إسرائيلي مُشرعن، فيما السلطة في الضفة الغربية مطالبة بعد أكثر من ثلاثة عقود على قيامها أن تثبت جدارتها في الحكم، وهي في الواقع لم تعد تحتكم على إدارة مدن وبلدات مقطعة الأوصال، يأكل الاستيطان أراضيها كل يوم وتمزقها حواجز جيش الاحتلال. بعد أن كان قطاع غزة مهد الدولة الفلسطينية، صار على الفلسطينيين أن يكافحوا لاستعادته. هذا ما انتهى إليه طوفان السابع من أكتوبر.بقرار أممي.. غزة تحت الوصاية الأميركية
مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ