مدار الساعة -منذ أن وُضعت على جدران متحف اللوفر، لا توجد لوحة تجذب الزوار مثل الموناليزا. ليست الأكبر، ولا الأكثر ألوانا، ولا الأكثر تعقيدا فنيا، لكنها استطاعت أن تحتل مكانة لا مثيل لها، متفوقة على أجنحة كاملة في المتحف. فما الذي جعل هذه اللوحة رمزا عالميا؟
بدأ ليوناردو دافنشي رسم الموناليزا في أوائل القرن السادس عشر، على الأرجح بتكليف من التاجر الفلورنسي فرانشيسكو ديل جيوكوندو، لتكون بورتريه لزوجته ليزا غيرارديني، ومن المعروف عن ليوناردو هوسه بالكمال الفني؛ فقد حمل اللوحة معه لسنوات، مضيفا طبقات شفافة لتخلق تدرجات ناعمة تمنح وجه ليزا توهجا طبيعيا.واستخدم في ذلك ما يُعرف بتقنية "السفوماتو"، التي تقوم على طمس الخطوط بدلا من تحديدها، وهو ما جعل الموناليزا معيارا فنيا جديدا في عصر النهضة.خلال حياة ليوناردو، لم تحظ اللوحة بشهرة كبيرة، ولم تُسلَّم إلى من كلّف برسمها، وبعد وفاة الفنان عام 1519 في فرنسا، ظلت اللوحة ضمن المقتنيات الملكية الفرنسية، محل إعجاب الفنانين، لكنها بقيت مجهولة لمعظم الناس، وفقا لـ History Snob.انطلق صيت الموناليزا الحقيقي بعد سرقة تاريخية عام 1911، عندما اختفت اللوحة من متحف اللوفر في صباح صيفي، استمرت فترة غيابها أكثر من يوم قبل أن يُلاحظ أحدهم الأمر، فاندلعت ضجة إعلامية عالمية، وتصدرت صورتها صفحات الصحف. طارد المحققون خيوطا وهمية، حتى أن الفنان بابلو بيكاسو خضع للتحقيق لفترة قصيرة، وظلت الموناليزا مفقودة لمدة عامين، قبل أن يحاول عامل إيطالي يُدعى فينتشنزو بيروجيا بيعها في فلورنسا، مدعيا أنه يريد إعادتها إلى إيطاليا، وبمجرد استعادتها، أصبحت قضية الموناليزا حدثا عالميا لافتا.بعد السرقة، أصبحت ابتسامتها الغامضة محور اهتمام عالمي حيث تساءل الناس، هل هي سعيدة أم حزينة؟ أصبح وجهها رمزا للإبداع والفن، وقلدها الفنانون، واستخدمها المعلنون، وظهر على صورتها شارب مارسيل دوشامب، وتوالت الإشارات إليها في أعمال آندي وارهول وثقافة البوب الحديثة.بحلول منتصف القرن العشرين، حولت وسائل الإعلام الموناليزا من لوحة فنية إلى رمز شعبي عالمي، حيث اصطف أكثر من مليون أمريكي لرؤيتها خلال جولتها في الولايات المتحدة عام 1963.إن سر شهرة الموناليزا يكمن في مزيج من الإبداع والغموض والأسطورة، براعة ليوناردو منحتها رقة فريدة، والسرقة أضافت لها قصة مشوقة، ووسائل الإعلام وسعت نطاق شهرتها، والثقافة الحديثة أكسبتها الخلود، اليوم، لا تزال ابتسامتها الغامضة تخطف الأنظار، لتثبت أن وراء كل لوحة عظيمة، قصة لا تنتهي.سرقة الموناليزا: صناعة الأسطورة
مدار الساعة ـ











