تعتبر الأسواق المركزية في الأردن القلب النابض لسلسلة الإمداد الغذائي، إذ تتجمع فيها يومياً آلاف الأطنان من الخضار والفواكه الواردة من مختلف مناطق المملكة قبل أن تنتقل إلى تجار الجملة والتجزئة والمطاعم والفنادق والمصانع وصولاً إلى التصدير. ويبرز سوق عمان المركزي بإعتباره المرجع الوطني الأول لتحديد أسعار الجملة، فيما تلعب أسواق إربد والزرقاء دوراً مهماً في تنظيم حركة التوزيع في المحافظات الشمالية والوسطى.
ورغم هذا الدور الكبير للأسواق المركزية إلا أنها تواجه مجموعة من التحديات التي تنعكس بشكل مباشر على المزارعين واستقرار الأسعار وقدرة الأردن على تعزيز تنافسية منتجاته الزراعية في الأسواق المحلية والعالمية. فضعف البنية التحتية وسلسلة التبريد يشكّل أحد أبرز التحديات، حيث تعاني معظم الأسواق من نقص غرف التبريد اللازمة، مما يؤدي إلى ارتفاع نسب التلف في المنتجات الحساسة وزيادة الفاقد الغذائي، وهو ما يسبب خسائر مباشرة للمزارعين ويؤدي إلى ارتفاع الكلف على مستوى الدولة. كما يسهم تعدد الوسطاء وارتفاع التكاليف التسويقية في تقليل حصة المزارع من القيمة النهائية للمنتج، وتوسيع الفجوة بين سعر المزرعة وسعر البيع للمستهلك.والتحدي الآخر هو المعلومات السعرية، فرغم وجود نشرات يومية لأسعار الجملة، إلا أن وصولها إلى المزارعين لا يزال محدوداً بسبب غياب قنوات رقمية حديثة وفعّالة تتيح للمنتجين اتخاذ قرارات تسويقية سريعة، وتساعدهم في اختيار توقيت البيع والسوق الأنسب لهم. إضافة إلى ذلك تحديات الجودة والتتبع نتيجة عدم توحيد إجراءات الفحص داخل الأسواق، مما يضع صعوبات أمام التصدير ومحدودية القدرة على تلبية متطلبات الدول المستوردة، خصوصاً فيما يتعلق بمتبقيات المبيدات والمعايير الصحية النباتية.تعاني الأسواق أيضاً من ازدحام كبير وضعف في تنظيم الحركة داخلها، الأمر الذي يؤدي إلى تأخر عمليات التفريغ والتحميل وارتفاع معدلات التلف خلال هذه العملية، بينما تتسبب تقلبات العرض الموسمي والإعتماد على كميات الواردات في عدم استقرار الأسعار وفتح المجال أمام تأثير بعض الأطراف على السوق في مواسم معينة .ويأتي ذلك كله في ظل تشريعات لا تزال بحاجة إلى تحديث وتفعيل أقوى لضمان رقابة فعالة وتحقيق الاستفادة القصوى من الإنتاج المحلي.ونتيجة لهذه التحديات، يشهد الأردن خسائر وطنية تظهر في ارتفاع الفاقد الغذائي وتذبذب دخل المزارعين وغياب الاستقرار في أسعار الخضار والفواكه للمستهلك، إضافة إلى ضعف القدرة التنافسية للمنتجات الأردنية في الأسواق الخارجية.وفي ظل هذا الواقع، تبرز الحاجة إلى حلول جذرية تتجاوز الأساليب التقليدية، وفي مقدمتها إنشاء شبكة وطنية من نقاط التجميع الزراعية أو جمعيات تسويقية متخصصة في مختلف مناطق المملكة. إذ يمكن لهذه الجمعيات أن تُحدث تحولاً كبيراً في منظومة التسويق من خلال تقليل الإعتماد على الوسطاء ورفع حصة المزارع من السعر النهائي للمنتج وخفض الفاقد الغذائي من خلال توفير خدمات متقدمة من معاملات ما بعد الحصاد تشمل الفرز والتدريج والتبريد والتغليف، وتنظيم عمليات النقل والتوريد إلى الأسواق المركزية والمصانع والفنادق ومحلات التجزئة.كما تتيح هذه الجمعيات تقديم خدمات ما قبل الحصاد من إرشاد فني وزراعي، وإدارة عقود توريد جماعية، وتجميع شحنات متعددة لدعم التصدير، إضافة إلى إمكانية توفير دعم مالي حتى لو كان صغير بالتعاون مع مؤسسات التمويل وصندوق التنمية والتشغيل، مؤسسة الإقراض الزراعي، وزارة الزراعة، والمنظمات الدولية مثل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO) وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) والوكالة الألمانية للتعاون الدولي( (GIZ، وحتى شركات القطاع الخاص ضمن برامج المسؤولية المجتمعية.وتشير التقديرات الفنية إلى أن الجدوى المتوقعة لهذه الجمعيات ونقاط التجميع مرتفعة على المستويين المحلي والوطني،فمن المتوقع أن تساهم في رفع دخل المزارعين بنسبة تتراوح بين 10-25%، وخفض الفاقد الغذائي يصل إلى 40%، إلى جانب فتح قنوات تسويقية أكثر إستقراراً ، وخلق فرص عمل جديدة في المناطق الريفية، ورفع جودة المنتجات الزراعية وتحسين قدرة الأردن على التصدير. كما تتيح هذه المنظومة للدولة بناء قاعدة بيانات دقيقة حول الإنتاج والكميات المتداولة، وتعزز القدرة على الرقابة وضبط الجودة ودعم الأمن الغذائي.في المرحلة الحالية، تبرز الحاجة إلى تشكيل لجنة وطنية تضم وزارة الزراعة وأمانة عمان وأسواق إربد والزرقاء ونقابة تجار الخضار والفواكه والجهات ذات العلاقة، بهدف تنفيذ مسح شامل للبنية التحتية للأسواق المركزية وتحديد الإحتياجات ذات الأولوية، إلى جانب إطلاق نشرة سعرية رقمية موجهة للمزارعين والتجار، وتأسيس نقاط تجميع أو جمعيات تجريبية بتمويل حكومي أو من خلال شراكات مع القطاع الخاص والجهات الدولية، وربط هذه النقاط بمنصات تتبع وتسويق تضمن جودة المنتجات وتمكّن المزارع الأردني من دخول الأسواق المحلية والعالمية بقدرة أكبر على المنافسة.في الخلاصةأن تطوير منظومة أسواق الجملة في الأردن ضرورة وطنية لضمان استدامة القطاع الزراعي وتقليل الفاقد ورفع دخل المزارعين وتعزيز الأمن الغذائي. وإن التوجه نحو إنشاء شبكة أو جمعيات من نقاط التجميع الزراعية يمثل خطوة استراتيجية يمكن أن تُحدث تحول كبير إذا تم استثمار الموارد المتاحة وفق رؤية واضحة لا تكتفي بإدارة العمل الروتيني، بل تسعى إلى إيجاد حلول عملية جذرية تُحدث فارقاً ملموساً في حياة المزارعين والإقتصاد الوطني، وتضمن توجيه أي دعم متوفر نحو معالجة التحديات الحقيقية بدلاً من توظيفه في إنجازات شكلية لا يلمسها المواطن أو المنتج(المزارع).#دعم المزارع الاردني واجب وطني يفوق كل الواجبات لأنه الذراع الرئيسي للأمن الغذائي#مصادر ومراجع • صفحة تقارير الواردات الزراعية الشهرية — وزارة الزراعة.• تقرير وإحصاءات وزارة الزراعة (بيانات أسواق الجملة وسجل كميات إربد وغيرها).• نظام أسواق الجملة للمنتجات البستانية (نظام رقم 129/2016).• أخبار ومتابعات بشأن السوق المركزي في عمان (نشرات يومية وكميات واردة).• بوابة سوق عمان المركزي وإدارة الوسطاء/المستأجرين.الروابدة تكتب: تحديث منظومة الأسواق المركزية في الأردن.. بوابة لرفع كفاءة التسويق الزراعي وتعزيز الأمن الغذائي
المهندسة الزراعية فداء الروابدة
الروابدة تكتب: تحديث منظومة الأسواق المركزية في الأردن.. بوابة لرفع كفاءة التسويق الزراعي وتعزيز الأمن الغذائي
مدار الساعة ـ