أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة جاهات واعراس مستثمرون شهادة الموقف مناسبات جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

التضخم المالي: كيف يؤثر على مدخراتك وكيف تحمي أموالك؟

مدار الساعة,أخبار البنوك والشركات,كورونا
مدار الساعة ـ
حجم الخط

مدار الساعة - قبل عشر سنوات، كان راتب 5000 ريال يكفي لحياة كريمة. اليوم، نفس المبلغ بالكاد يغطي النصف الأول من الشهر. السبب بسيط لكنه قاسٍ: التضخم يأكل قيمة نقودك بصمت، يوماً بعد يوم، دون أن تشعر.

التضخم ليس مجرد مصطلح اقتصادي معقد يظهر في نشرات الأخبار. إنه واقع يعيشه كل واحد منا عندما يدفع أكثر لنفس المشتريات، عندما يجد أن مدخراته لم تعد تشتري ما كانت تشتريه قبل سنوات، عندما يشعر أن المال "يذوب" في يده.

المشكلة الحقيقية ليست في التضخم نفسه، فهو جزء طبيعي من أي اقتصادي حي. المشكلة في أن معظم الناس لا يفهمون كيف يحمون أنفسهم منه، فيتركون أموالهم تخسر قيمتها عاماً بعد عام، ثم يستيقظون بعد عقدين ليكتشفوا أن ما ادخروه لا يساوي شيئاً.

ما هو التضخم حقاً وكيف يحدث؟

ببساطة شديدة، التضخم هو ارتفاع الأسعار العامة للسلع والخدمات مع مرور الوقت. عندما يرتفع سعر الخبز، البنزين، الإيجار، التعليم، والرعاية الصحية بشكل مستمر، هذا هو التضخم.

السبب الأساسي بسيط: عندما تطبع الحكومات والبنوك المركزية نقوداً أكثر، وتضخها في الاقتصاد، تصبح قيمة كل ورقة نقدية أقل. تخيل أن هناك 100 رغيف خبز و100 ورقة مالية. كل ورقة تساوي رغيف واحد. الآن، لو طبعنا 100 ورقة إضافية، أصبح لدينا 200 ورقة لنفس الـ 100 رغيف. الآن كل رغيف يحتاج ورقتين. هذا جوهر التضخم.

خلال جائحة كورونا، ضخت الحكومات حول العالم تريليونات الدولارات لإنقاذ الاقتصاد. كان هذا ضرورياً لمنع انهيار كامل، لكن الثمن كان تضخماً تاريخياً. في 2022، وصل التضخم في أمريكا لـ 9%، وفي بعض الدول الأوروبية تجاوز 10%، وفي دول عربية مثل مصر تجاوز 30%.

لكن السبب الوحيد ليس طباعة النقود فقط. أحياناً التضخم يحدث بسبب نقص المعروض من السلع مثلما حدث مع أزمة سلاسل الإمداد، أو بسبب ارتفاع أسعار الطاقة كما حدث بعد الحرب في أوكرانيا، أو بسبب زيادة الطلب المفاجئ على سلع معينة.

كيف يدمر التضخم مدخراتك بالضبط؟

لنفترض أنك ادخرت 100 ألف ريال في 2015 ووضعتها في حساب بنكي تقليدي بفائدة 1% سنوياً. وبافتراض أن التضخم كان في المتوسط 3% سنوياً، ماذا حدث لأموالك؟

بعد 10 سنوات في 2025، رصيدك البنكي أصبح حوالي 110,462 ريال. تبدو زيادة، أليس كذلك؟ لكن الحقيقة أن القوة الشرائية لهذا المبلغ انخفضت. ما كان يساوي 100 ألف من سلع وخدمات في 2015، يحتاج اليوم حوالي 134,392 ريال لشراء نفس الأشياء. أنت خسرت تقريباً 24 ألف ريال من القيمة الحقيقية لأموالك.

هذه الخسارة غير مرئية. حسابك البنكي يظهر أرقاماً أكبر، لكن الحقيقة أن نقودك أصبحت أضعف. هذا ما يسميه الاقتصاديون "الوهم النقدي"، عندما تشعر أنك تملك أكثر لأن الأرقام أكبر، لكن في الواقع قوتك الشرائية انخفضت.

الأسوأ من ذلك عندما يكون التضخم عالياً والفوائد البنكية منخفضة، وهذا ما حدث في السنوات الأخيرة. في بعض الدول العربية، الفوائد على الودائع كانت 2% بينما التضخم 7% أو 8%. هذا يعني أنك تخسر 5-6% سنوياً من قيمة أموالك حتى لو تركتها في البنك.

لماذا النقد تحت الوسادة أسوأ قرار ممكن؟

بعض الناس، خاصة كبار السن، يفضلون الاحتفاظ بالنقود في المنزل. يشعرون بالأمان عندما يرون الأوراق أمام أعينهم. لكن هذا حرفياً أسوأ طريقة لحفظ المال في عصر التضخم.

النقد الذي لا ينمو أبداً، لا يكسب أي عائد، يخسر قيمته بمعدل التضخم كاملاً. إذا كان التضخم 5% سنوياً، فأنت تخسر 5% من قوة أموالك الشرائية كل سنة. بعد 10 سنوات، 100 ألف ريال تحت الوسادة ستشتري فقط ما قيمته حوالي 61 ألف ريال بأسعار اليوم.

إضافة للتضخم، هناك مخاطر السرقة، الحريق، أو حتى التلف. الأوراق النقدية ليست أبدية، قد تتآكل أو تصبح غير صالحة للاستخدام. بعض الدول تغير عملتها أو تسحب إصدارات قديمة، وهنا تصبح أوراقك القديمة عديمة القيمة إذا لم تبدلها في الوقت المحدد.

القصة الأكثر إيلاماً رأيتها كانت لرجل في الستينات ادخر طوال حياته نقداً في المنزل. بعد 30 سنة، جمع ما يعادل 400 ألف ريال. لكن ما كان يكفي لشراء ثلاثة بيوت في الثمانينات، بالكاد اشترى له شقة صغيرة في 2020. لو كان استثمر ربع هذا المبلغ فقط في أصول حقيقية، لكان وضعه أفضل بكثير.

الأصول التي تحميك من التضخم: دليل عملي

الحماية من التضخم تعني استثمار أموالك في أصول تنمو بمعدل يساوي أو يتجاوز التضخم. دعنا نفصل الخيارات الرئيسية بوضوح.

الأسهم والأسواق المالية

تاريخياً، الأسهم حققت عوائد تتجاوز التضخم بفارق واضح. السبب منطقي: الشركات ترفع أسعار منتجاتها مع التضخم، فتحافظ على هوامش ربحها، وبالتالي تزداد قيمة أسهمها. إذا ارتفعت تكلفة إنتاج الخبز، المخبز يرفع السعر ليحافظ على ربحه، والمستثمرون في أسهم المخبز يستفيدون.

خلال الخمسين سنة الماضية، حققت الأسهم الأمريكية متوسط عائد 10% سنوياً، بينما كان متوسط التضخم 3.5%. الفارق 6.5% هو النمو الحقيقي لثروتك. هذا لا يعني أن الأسهم لا تنخفض، بل تتقلب كثيراً على المدى القصير، لكن على المدى الطويل تتفوق على التضخم.

الأسواق العربية مثل السعودية والإمارات شهدت نمواً قوياً في السنوات الأخيرة. الشركات الكبرى مثل أرامكو وإعمار والراجحي استطاعت الحفاظ على قيمتها بل وزيادتها رغم التضخم، لأنها تعمل في قطاعات أساسية وتملك قدرة تسعيرية.

النصيحة العملية: استثمر في صناديق مؤشرات متنوعة بدلاً من أسهم فردية إذا كنت مبتدئاً. هذا يوزع المخاطر ويضمن لك مواكبة نمو السوق ككل. إذا كنت تفكر في التداول، يمكنك مقارنة شركات التداول المرخصة لاختيار الأنسب لاحتياجاتك من حيث الرسوم والخدمات.

العقار: الملاذ التقليدي

العقار كان ولا يزال من أقوى الأدوات لمحاربة التضخم. السبب بسيط: الأرض والمباني أصول ملموسة محدودة، وقيمتها ترتفع عموماً مع الزمن. إضافة لذلك، الإيجارات ترتفع مع التضخم، فإذا كنت تملك عقاراً مؤجراً، دخلك الإيجاري يزداد تلقائياً.

في المدن الكبرى مثل الرياض ودبي والقاهرة، أسعار العقار تضاعفت عدة مرات خلال العقدين الماضيين. من اشترى شقة في دبي مارينا بـ 500 ألف درهم في 2005، يمكنه بيعها اليوم بأكثر من مليون ونصف في بعض الحالات.

لكن العقار ليس حلاً سحرياً. يحتاج رأس مال كبير للبدء، وسيولته منخفضة (لا تستطيع بيعه بسرعة)، ويتطلب صيانة وإدارة. أيضاً، ليس كل عقار يرتفع، الموقع والتوقيت حاسمان. عقار في منطقة راكدة قد يبقى بنفس السعر لعشر سنوات.

البديل الأذكى للمبتدئين أو من لا يملكون رأس مال كبير: صناديق الاستثمار العقاري REITs. هذه صناديق تملك عقارات متعددة وتوزع أرباح الإيجار على المستثمرين. يمكنك الاستثمار فيها بمبالغ صغيرة وتتمتع بسيولة أعلى من العقار المباشر.

الذهب: التأمين ضد الفوضى

الذهب لا ينتج شيئاً، لا يدفع أرباحاً، لكنه حافظ على قيمته عبر آلاف السنين. في أوقات التضخم العالي أو الأزمات الاقتصادية، يهرع الناس للذهب كملاذ آمن. بين 2000 و2011، ارتفع سعر الذهب من 300 دولار للأونصة إلى أكثر من 1900 دولار، مدفوعاً بالأزمة المالية العالمية والتضخم.

لكن الذهب متقلب ولا يضمن عوائد ثابتة. بين 2011 و2015 انخفض 40%، ومن امتلكه في تلك الفترة خسر. الذهب يناسب جزءاً من المحفظة كتأمين، عادة 5-10% من إجمالي استثماراتك، وليس كاستثمار رئيسي.

يمكنك شراء الذهب فعلياً على شكل سبائك أو عملات، أو رقمياً عبر تطبيقات موثوقة، أو الأسهل عبر صناديق تتبع سعر الذهب ETFs. تجنب المجوهرات كاستثمار لأنها تحمل تكاليف صناعة عالية وعند البيع تخسر جزءاً من قيمتها.

السندات المرتبطة بالتضخم

بعض الحكومات تصدر سندات مرتبطة بمعدل التضخم. كلما ارتفع التضخم، يرتفع العائد على هذه السندات. في أمريكا تسمى TIPS، وبعض الدول العربية بدأت إصدار منتجات مشابهة.

هذه خيار آمن نسبياً للمحافظين الذين يريدون حماية رأس المال دون مخاطرة عالية، لكن عوائدها أقل من الأسهم والعقار على المدى الطويل.

استراتيجيات عملية لحماية أموالك اليوم

الحماية من التضخم ليست معقدة، لكنها تحتاج تخطيطاً وانضباطاً. أول خطوة هي فهم أن ترك المال نقداً أو في حساب توفير عادي يعني خسارة مضمونة مع الزمن.

ابدأ بتقسيم أموالك إلى ثلاث فئات: صندوق طوارئ لـ 6 أشهر من المصاريف، يبقى في حساب بنكي سائل رغم أن التضخم يأكل منه، لأن السيولة هنا أهم من العائد. ثم مدخرات قصيرة الأمد لأهداف خلال 1-3 سنوات، هذه ضعها في وديعة بنكية أو صندوق نقدي بعائد معقول. وأخيراً، استثمارات طويلة الأمد لـ 5 سنوات فأكثر، هذه توزعها بين أسهم وعقار وربما ذهب حسب عمرك وتحملك للمخاطر.

قاعدة مبسطة: إذا كان عمرك 30 سنة، ضع 70% في أسهم و20% في عقار أو صناديق عقارية و10% في ذهب أو سندات. إذا كان عمرك 50 سنة، قلل الأسهم لـ 50% وزد الأصول الأكثر استقراراً.

راجع محفظتك كل سنة، وأعد التوازن. إذا ارتفعت الأسهم كثيراً وأصبحت 80% من محفظتك بدلاً من 70%، بع جزءاً واشتر أصولاً أخرى لتعيد النسب المخططة. هذا ينظم مخاطرك ويجبرك على "البيع عند القمة والشراء عند القاع" بشكل تلقائي.

الأخطاء القاتلة في مواجهة التضخم

كثيرون يرتكبون أخطاء تزيد من تأثير التضخم عليهم بدلاً من التخفيف منه. الخطأ الأول هو الاستهلاك المبالغ فيه ظناً أن "الأسعار سترتفع غداً فأشتري اليوم". هذا منطق خاطئ يدفعك لشراء أشياء لا تحتاجها، فتخسر أموالك فعلياً وليس فقط قيمتها.

الخطأ الثاني هو الديون بفوائد عالية في أوقات التضخم. نعم، التضخم يقلل القيمة الحقيقية للدين على المدى الطويل، لكن هذا يفيد فقط إذا كانت الفائدة ثابتة ومنخفضة. الديون الاستهلاكية ببطاقات الائتمان بفوائد 30% أو 40% ستدمرك رغم التضخم.

الخطأ الثالث هو البيع الذعر عند كل هزة. التضخم يرفع أسعار كل شيء بما فيها الأسهم والعقار، لكن بشكل متقلب. من يبيع استثماراته كل ما هبطت 10% سيخسر فرصة النمو على المدى الطويل.

هل يمكن للتضخم أن ينخفض أو يختفي؟

التضخم ظاهرة دائمة في اقتصادات حديثة، لكن معدله يتغير. أحياناً يكون 2% سنوياً وهذا معدل صحي، وأحياناً يرتفع لـ 8% أو 10% وهنا يصبح مشكلة. البنوك المركزية تحاول السيطرة عليه برفع أسعار الفائدة، وهذا ما حدث في 2022-2023 عندما رفع الفيدرالي الأمريكي الفائدة بقوة.

رفع الفائدة يجعل الاقتراض أغلى، فينخفض الاستهلاك والاستثمار، وبالتالي ينخفض التضخم. لكن هذا له ثمن: نمو اقتصادي أبطأ وأحياناً ركود. إنها مقايضة صعبة.

بالنسبة للفرد العادي، لا تنتظر أن ينخفض التضخم لتبدأ الحماية. حتى في الأوقات "الجيدة" بتضخم 2%، أموالك تخسر نصف قوتها خلال 35 سنة إذا لم تستثمرها. تخيل مدخرات العمر بأكمله تتآكل ببطء لمجرد أنك لم تتصرف.

الخلاصة: تحرك الآن أو ادفع الثمن لاحقاً

التضخم لا يرحم. إنه ضريبة خفية على كل من يحتفظ بالنقود دون استثمارها. الحكومات والبنوك المركزية تتحكم في عرض النقد، لكنك لست عاجزاً تماماً، لديك خيارات وأدوات.

الوقت المثالي لحماية أموالك كان قبل عشر سنوات. الوقت الثاني الأفضل هو اليوم. كل سنة تأخير هي سنة خسارة لقيمة مدخراتك. لا تنتظر "الوقت المناسب" أو "حتى أتعلم أكثر"، ابدأ بخطوات بسيطة ولو بمبالغ صغيرة.

أموالك التي تعبت لجمعها تستحق أن تحافظ على قيمتها، بل وتنمو. لا تدعها تذوب بصمت وأنت تنظر.


مدار الساعة ـ