أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات دين بنوك وشركات خليجيات مغاربيات ثقافة رياضة اخبار خفيفة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

الأردنية الترك تروي تجربة ٤٠ يوماً في اليابان


المحامية إسراء أكرم الترك
متخصصة في قضايا وتشريعات البيئة، عضو مجلس ادارة الجمعية الملكية لحماية البيئة البحرية

الأردنية الترك تروي تجربة ٤٠ يوماً في اليابان

المحامية إسراء أكرم الترك
المحامية إسراء أكرم الترك
متخصصة في قضايا وتشريعات البيئة، عضو مجلس ادارة الجمعية الملكية لحماية البيئة البحرية
مدار الساعة ـ

قبل عام، كنت أسير في شوارع أوكيناوا اليابانية، لا كسائحة، بل كمتدربة في برنامج يتعلق بالإدارة البيئية للمحميات امتد أربعين يومًا ،ظل أثره في داخلي أطول بكثير من مدته الزمنية. واليوم، وأنا أتابع زيارة سيد البلاد إلى اليابان، أجد كل تفاصيل تلك التجربة تعود إليّ واحدة تلو الأخرى، وكأنها تطالبني أن أكتب عنها من جديد، لا وصفًا لرحلة، بل شهادة على نموذج يستحق التأمل.

اليابان بلد جميل بمحيطه و ببحره وطبيعته ونظامه، لكن كل ذلك يبهت أمام جمال البشر فيه. هناك، يبتسم الناس بصدق من القلب، ابتسامة لا تُقدَّم كمجاملة اجتماعية بل كتعبير طبيعي عن الاحترام. رأيت حديث النبي ﷺ “تبسّمك في وجه أخيك صدقة” يتحرك أمامي على وجوه لا تعرفه، لكنها تطبق روحه دون وعي منها. لم أكن أرى أدبًا متكلَّفًا، بل ثقافة مبنية على البساطة والنقاء.

ما شد انتباهي أيضًا هو احترام الوقت. لم يكن الالتزام بالمواعيد مجرد تنظيم، بل قيمة. الموعد عندهم يعني الوصول قبل الوقت لا عنده؛ احترامًا للآخرين قبل احترام الذات. هناك شعرت أن الزمن ليس شيئًا يُستهلك، بل شريكًا في النجاح.

لكن الدرس الأعمق كان في شكل العمل الجماعي. في كل مؤسسة زرتها، وفي كل فريق عمل شاركت فيه، لم أستطع تمييز المدير من الموظف. الجميع يعمل ويتعاون وينظف المكان بعد الاجتماع دون أن يقول أحدهم بصوت مستفز: “هذا مش شغلي”. رأيت الانتماء للوطن متجذرًا في التفاصيل الصغيرة قبل الشعارات الكبيرة. شعرت كثيرًا بالحزن وانا أقارن ، لأننا ما نزال نبني مؤسسات تُهزَم بغياب موظف واحد، ونمارس الوظيفة كملكية لا كأمانة.

إحدى المشرفات على البرنامج قالت جملة أعتبرها خلاصة التجربة:

“الحكومة لا تستطيع أن تفعل كل شيء..”

وكم تمنيت لو تصل هذه الفكرة إلى كثير من مؤسساتنا، حيث لا يزال المجتمع المدني بالذات يُعامل كخصم، وتُعامل الدولة كخصم بالمقابل، في حين أن البناء لا يكتمل إلا بتعاون الاثنين معًا.

ومع كل ما تعلمته من اليابانيين، كان أجمل ما في التجربة هو ما اكتشفه اليابانيون فينا نحن. كانوا معجبين بطريقتنا في التواصل، بعلاقاتنا الدافئة، بحرصنا على كبار السن، وبروح المساعدة التي نحملها بفطرتنا. باصواتنا التي تصدح يوميا ونحن نتواصل مع أهالينا او أزواجنا او أبناءنا وبناتنا ونتحدث معهم بحب وحنان وشوق . لقد فهمت هناك أننا لا نذهب لنتعلم فقط، بل لنعلّم أيضًا… حيث تبادلنا كثيرا الحديث عن عاداتنا وتقاليدنا وديننا الحنيف وكيف نمارس حياتنا اليومية وكنت ارى في عيونهم الإعجاب والاهتمام ،لكن هذا كله كان بشرط واحد فقط هو :إن حرصنا بوعي على تمثيل أنفسنا ووطننا وهويتنا .

في اليوم الأخير من البرنامج، أخذونا إلى زيارة لمدرسة ثانوية مسؤولة عن إدارة محمية طبيعية. طُلب منا تقديم عروض تعريفية عن أنفسنا وعائلاتنا وبلداننا. وبعد العودة، سألنا مدير البرنامج إن كنا ندرك الهدف مما حدث، فأجاب بابتسامة هادئة:

“أردنا لطلابنا أن يعرفوا أن العالم ليس اليابان. وأن التعدد والاختلاف قيمة مهمه لابد لأبنائنا عيشها .”

هذه الجملة وحدها كانت بالنسبة لي درسًا ختاميًا يلخّص الرحلة: لا تتشبّه بالآخر حتى تفقد ذاتك، ولا تنغلق على نفسك حتى تنفصل عن العالم. اعتز بنفسك ولا تقبل تقسيمات انك من عالم ثالث والآخر من العالم الاول .

واليوم، أكتب هذا النص وأنا أؤمن أكثر أن التطور ليس في التكنولوجيا وحدها ولا في البنية التحتية فقط، بل في السلوك البسيط، وفي الأخلاق التي تتحول إلى ممارسة يومية، وفي روح الانتماء التي تجعل كل فرد جزءًا من مشروع وطني.

وأختم بكلمة أخيرة أهمس بها لمن يهمه الأمر:

إن من يمثل الأردن يجب أن يستحق شرف هذا التمثيل، ضمن معايير علمية ومهنية، وقبل ذلك كله… أخلاقية.

مدار الساعة ـ