مدار الساعة - كتب: عبدالهادي راجي المجالي -
... رمى زياد المناصير قنبلة، فيها إدانة للحكومة وللاستثمار...لكن زياد المناصير لم يظهر على شاشة التلفاز، على قناة المملكة مثلا أو رؤيا أو التلفزيون الأردني أو عبر عمون أو عبر مدار الساعة... ولم يتحدث مباشرة، هو فقط وجه إدانة...الأصل أن يرد الناطق الرسمي باسم الحكومة، الأصل أن نعرف جذور الخبر ومتى قال زياد هذا الكلام، وهل كان في جلسة خاصة.. أم في حديث لأحد المقربين منه؟قبل فترة ذهبت للاطمئنان على باسم السالم، وباسم هو الآخر من المستثمرين ولديه قوة مالية هائلة ويدير بنكاً محترماً، كان يعاني من كسر في الكتف... وتحدثنا مطولاً وطرقنا قصة الاستثمار والصعوبات التي تواجهه وقوة الدينار، أتذكر أنه قال لي بالحرف الواحد: تأكد أن الضامن الوحيد لقوة الدينار ولسلامة الاقتصاد لدينا هو جلالة الملك وقوته في المحافل الدولية..كل الذين يعملون في الاقتصاد لدينا يمتلكون قوة ونفوذاً أكبر من وزير الاستثمار نفسه وأكبر من كل مراكز النفوذ، خذ مثلا سعيد دروزة.. ما يمتلكه من أموال يفوق حجم ما يمتلكه زياد، لكني لم أسمع منه يوما شكوى على أحد...سعيد في أزمة كورونا، تبرع بعشرات الملايين.. لا بل أجل اقساط وزارة الصحة كلها... وأكبر طموح له في الحياة أن يقود سيارته الكلاسيكية، أو أن يتناول وجبة خفيفة مع أصدقاء الدراسة..لم أسمع يوماً أن الرجل عانى من ضغوط، مع أنه في فترة تسلمه وزارة الصحة تعب وتحمل من أجل إصلاح الوزارة وإنتاج قوانين عصرية... ولم يشكُ لأحد.في الأردن قد أتقبل شكوى من صاحب (مول) مثلا، من صاحب (دكانة).. من صاحب ( معمل طوب).. ولكن رجل مثل زياد يمتلك خطاً مباشراً مع الدولة ويحظى باحترام الملك، وحصل على امتيازات هائلة من الحكومات المتعاقبة، لم يحصل عليها أحد..يشكو من ضغوط المسؤولين؟تلك أحجية تحتاج لحل، وأظن أن الجواب سهل، فإما أن يكون أحدهم قد ورط زياد بهذا التصريح، وإما أن يكون الكلام قد حرف بغير مكانه.. لأن اللغة التي استعملت هي لغة الصحافة ولغة (مانشيت) وليست لغة مستثمر.في المعادلات الإقتصادية تعلمنا أن رأس المال الوطني لا يشكو، لأنه بصراحة هو صاحب القرار في الاقتصاد، رجائي المعشر ترأس أكبر البنوك لدينا.. كان يستقبل كل المسؤولين في مكتبه، كان يدفع من جيبه...لكني لم اسمع يوماً أن أحدهم تجرأ أن يمارس ضغطاً على رجائي، كان هو من يضغط...فحين تعثرت العرب اليوم وأراد البعض إيقافها تدخل شخصياً، وحافظ على حقوق الناس فيها، وأعادها لشارع الصحافة.حسنا..تصريح زياد – إن كان حقيقيا – ومنسوبا إليه، هو أشبه بمن يدق مسمارا ضخما في نعش الاستثمار، وقد تعلمنا في المعادلات الوطنية.. والاقتصاد أولى هذه المعادلات أن نلتف على الحقيقة أحياناً، إذا كان هذا الأمر في مصلحة الدولة ذاتها وفي مصلحة الناس.. تعلمنا أيضا أن نداري العورات الرسمية، لأن فضحها أحياناً ينتج شرخاً في الشارع...في صفقة اليمامة التي هزت بريطانيا، وضربت الصناعات العسكرية.. لا بل أطاحت برؤوس كبيرة، منعت الحكومة البريطانية النشر فيها ومنعت التصريح أيضا...لأن فضح الأمر قد يضر بمصالح بريطانيا العظمى، وقد يخلق شرخا في ثقة المواطن بالدولة، في النهاية تفهم الإعلام البريطاني القصة...ونشر أسرارها بعد (30) عاما من الفضيحة، حتى لا يضرب ثقة الناس بالدولة.وفي قضية اغتيال (الدو مورو) رئيس وزراء إيطاليا، مع أنه كان أستاذ القانون وأهم مصلح في تاريخ إيطاليا وأول من دمج الحزب الشيوعي في التركيبة الحكومية، إلا أن الرسائل التي لم تنشر، والتي أدان فيها الغرب واتهم الحكومة بالتواطؤ.. ظلت مخفية بعد اغتياله، إيطاليا أرادت أن تعبر المرحلة، وأن تعود للحاضنة الأوروبية، ربما أحياناً دماء البعض تكون ضرورة وليس عبثاً، لأجل سلامة شعب كامل.أنا مجرد كاتب وموظف بسيط، لا أظن أن وزيراً في الحكومات الأردنية استطاع أن يتجرأ عليّ أو يرغمني أن أكتب بغير قناعتي، حتى رئيس الوزراء ذاته جعفر حسان.. لا أظن أنه يمتلك الجرأة ليضغط على صحفي أو صاحب قلم... ما بالك برجل يمتلك أكبر مشروع لمحطات الوقود، وأكبر مشاريع الطاقة...عقلي للان غير مقتنع بالكلام، ويدرك في عمق وعيه.. أن أحداً لا يتجرأ أن يضغط على زياد.حسناً الآن دور الحكومة كي تقدم أصل الرواية، لأن كلام المناصير هو إدانة لها.. ودور المناصير أن يخرج ويوضح لنا، هل فعلا رجل بحجمه يعاني من ضغوطات...أم أن كلامه أخذ بغير مساره الصحيح، أو فسر على هوى الناقل...تصريحات زياد المناصير.. وكتف باسم السالم.. وسيارة سعيد دروزة.. وضغط رجائي المعشر
مدار الساعة ـ








