أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات مغاربيات دين بنوك وشركات خليجيات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

أزمة تشكيل اللجان في مجلس النواب


أ. د. ليث كمال نصراوين
أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة

أزمة تشكيل اللجان في مجلس النواب

أ. د. ليث كمال نصراوين
أ. د. ليث كمال نصراوين
أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة
مدار الساعة (الرأي الأردنية) ـ

شهد مجلس النواب العشرون تأخيرا في عملية تشكيل لجانه الدائمة مع بدء دورته العادية الثانية، إذ لم يتمكن المجلس في البداية من الوصول إلى توافق كامل بشأن توزيع أعضائه على اللجان، ما أوجد حالة من الفوضى داخل القبة دفعت الرئيس إلى رفع الجلسة. وقد أدى هذا التأخير إلى وضع إجرائي غير مألوف، تمثل في قبول المجلس مشروع قانون الموازنة العامة لعام 2026 بقراءته الأولى وإحالته إلى لجنته المالية قبل استكمال تشكيل هذه اللجنة وبدء ممارستها لمهام عملها.

وعلى الرغم من أن هذا الإجراء لا يرقى إلى مستوى المخالفة الدستورية ما دامت اللجنة المالية منصوص على إنشائها وتحديد صلاحياتها في النظام الداخلي لمجلس النواب، فإن هذه الواقعة تكشف عن خلل في إجراءات المجلس يتوجب تصويبه منعا لتكراره مستقبلا.

فالنظام الداخلي لم يترك مسألة تشكيل هذه اللجان دون ضوابط، بل نظمها بصورة تفصيلية في المادة (59) منه، والتي تنص على أن تتألف كل لجنة دائمة من خمسة أعضاء حدا أدنى وأحد عشر عضوا حدا أعلى، وأن يتم التوافق على تشكيلها وفقا لما يقرره المكتب التنفيذي على أساس التمثيل النسبي للكتل النيابية. فإذا لم يتحقق هذا التوافق خلال مدة لا تزيد على أربعة عشر يوما من بداية كل دورة عادية، يجري انتخاب أعضائها بالاقتراع السري إذا زاد عدد المرشحين على العدد المقرر.

ويُفهم من هذا النص أن التوافق هو الأساس في تشكيل اللجان الدائمة، على أن يكون الانتخاب وسيلة احتياطية لحسم التنافس أو سد النقص. وقد وضع النظام الداخلي قيودا زمنية وموضوعية على هذا التوافق، أهمها ألا تتجاوز مدته أسبوعين من بدء الدورة العادية، وألا يكون النائب عضوا في أكثر من لجنتين دائمتين، وألا يجمع بين عضوية اللجان وعضوية المكتب الدائم، ضمانا لعدم تركز العمل البرلماني في يد قلة من النواب.

وفي المقابل، ربط النظام الداخلي مهمة تشكيل اللجان الدائمة بالمكتب التنفيذي للمجلس وعلى أساس التمثيل النسبي للكتل، وهو مكتب يتألف من أعضاء المكتب الدائم ورؤساء الكتل النيابية أو من يمثلهم، وذلك عملا بأحكام المادة (18) من النظام. وحيث إن الكتل النيابية لم تكن قد استكملت الإجراءات القانونية لتشكيلها والإعلان عنها في مطلع الدورة العادية، فقد حال ذلك دون اكتمال تشكيل المكتب التنفيذي وتعذر معه قيامه بدوره المناط به في تشكيل اللجان الدائمة.

ورغم هذا النقص، توصّل المجلس إلى توافق على عضوية اللجان الدائمة قبل اكتمال تشكيل المكتب التنفيذي، في خطوة قطعت التسلسل المنطقي الذي رسمه النظام الداخلي لترتيب بناء هياكل المجلس. غير أن هذا الاتفاق لا يشكّل سوى المرحلة الأولى؛ إذ يفترض، وفقا للمادة (63) من النظام الداخلي، أن يدعو رئيس المجلس كل لجنة إلى الاجتماع لانتخاب رئيس ونائب للرئيس ومقرر من بين أعضائها، وهي مادة لم تحدد إطارا زمنيا لهذه الإجراءات، بما يزيد من احتمالية تأخر مباشرة هذه اللجان لعملها الفعلي.

إن ما كشفت عنه هذه الدورة العادية من صعوبات في تشكيل اللجان الدائمة يفرض مراجعة جادة للنظام الداخلي، بهدف وضع ضمانات إجرائية واضحة تضمن سرعة توزيع النواب على اللجان. وفي هذا السياق، يمكن اقتراح ربط الشروع في تشكيل اللجان ببداية الدورة العادية ذاتها، أسوة بما هو مقرر في مسائل أخرى؛ فالمادة (5) من النظام الداخلي تنص على أنه لا يجوز للمجلس إجراء أي مناقشة أو إصدار أي قرار قبل انتخاب رئيسه، ثم تأتي المادة (6) لتوجب، بعد تشكيل المكتب الدائم، انتخاب لجنة لإعداد الرد على خطبة العرش خلال أربعة عشر يوما من تاريخ إلقائها.

ومنطق الأمور يقتضي أن يمتد هذا النهج ليشمل اللجان الدائمة، فهذه اللجان هي الأداة الرئيسة والدائمة لممارسة الوظيفة التشريعية والرقابية، حتى لا يبدأ المجلس بممارسة دوره التشريعي والرقابي وهو يفتقر إلى لجانه الأساسية، وبما يجنّب إحالة مشاريع القوانين إلى لجان لم تُستكمل بنيتها الإجرائية ولم تباشر بعد عملها الفعلي.

لقد كشفت التجربة الأخيرة عن ثغرات حقيقية في قواعد تشكيل اللجان الدائمة وآليات عملها، ما يستدعي إدخال تعديل جوهري على النظام الداخلي لمجلس النواب يربط بدء الدورة التشريعية باستكمال انتخاب المكتب الدائم واللجان الدائمة معا، ويمنع إحالة أي مشروع قانون إلى لجنة غير مكتملة. فاستكمال البناء الإجرائي للمجلس ليس مجرد تفصيل تنظيمي، بل هو شرط للحفاظ على مكانته الدستورية وتعزيز ثقة الرأي العام بقدرته على أداء دوره التشريعي والرقابي وفق متطلبات الشرعية المؤسسية.

مدار الساعة (الرأي الأردنية) ـ