أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين رياضة اخبار خفيفة ثقافة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

حين تصبح الإدارة مفقودة والسياسة مهنة من لا مهنة له


نضال المجالي

حين تصبح الإدارة مفقودة والسياسة مهنة من لا مهنة له

مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ

أحيانا أفتح مواقع الأخبار إلكترونية وتلفزيونية، أتصفح المقالات او أستمع إلى ضيوف في حلقات، فأشعر أن الأردن تحول إلى مركز دراسات إستراتيجية عالمي… كل ما يُكتب تحليل سياسي، من تحليلات ما بعد العاصفة إلى توقعات ما قبل صلاة الفجر! الكل يفكك المشهد، ويرسم خريطة طريق، وكأن الدولة الأردنية حكومة ومؤسسات كبرى تنتظر منشور «فيسبوك» جديد بإمضاء أحدهم لتعرف أين تتجه! متناسين أن عمر السياسة الأردنية وقيادتها تحمل إرثا وفكرا يتجاوز ما يفرده حبر وعمر عقول أكثرهم.

لكن دعونا نعترف بالحقيقة التي لا يريد أحد أن يقترب منها: لا أحد أو نادرا تجد من يكتب في الإدارة! لأن الإدارة ببساطة… مفقودة. نعم، مفقودة مثل الإبرة في كومة البيروقراطية. نبحث عنها في المؤسسات كما نبحث عن موظف يعرف لماذا جاء إلى العمل أصلا، أو مسؤول يقرأ تقارير الأداء بدلا من تصفح «واتساب» هاتفه.

الكتابة في الإدارة أصبحت مغامرة غير محسوبة، بالرغم من أنها أساس وعنصر التحليق في الفضاء. من يكتب فيها يُنظر إليه وكأنه يتحدث لغة منقرضة، أو يطلب المستحيل. فكيف نكتب عن الإدارة ونحن في عالم مؤسسات بيروقراطية لا تعرف كثير منها من أين تُدار؟ نحن نُجيد إنشاء اللجان، لا إدارة الملفات، ونتقن الاجتماعات أكثر من الإنتاج. أمّا تقييم الأداء فصار مناسبة سنوية لتبادل المجاملات، لا لتصحيح المسار.

ولأن الفراغ الإداري يحتاج غطاء، وجدنا في السياسة ملاذا دافئا. صار كل من ارتقى «منصة» خبيرا إستراتيجيا، وكل من تابع «الجزيرة» محللا سياسيا معتمدا. والنتيجة؟ بعد فتح صفحات المقالات في الصحف اليومية تجد أكثر من 90 %؜ من المقالات سياسة، مقابل صفر إدارة تقريبا.

والأجمل مثلا في النموذج الأردني السياسي أن الأحزاب وكل نموذج سياسي يشغل كل هذا الحبر والمساحات، في وقت لا يزيد عدد أعضاء الأحزاب الأردنية عن 90 ألفا حسب أرقام الهيئة المستقلة للانتخاب! - طبعا أنا أحد شخوص هذا الرقم- رقم بالكاد يكفي لتعبئة مدرج مباراة في الدوري الإسباني، لكنه كاف لتبرير سيل لا يتوقف من التحليلات العميقة في مجملها ولكنها لا تُغيّر شيئا في الواقع، وكأن الأحزاب تتحدث مع نفسها فقط. بينما لو بحثت عن عدد المبدعين في الإدارة، فلن تجد مائة، بل ربما لا نحتاج سوى أصابع معدودة لحصرهم.

نكتب ونحلل في السياسة لأن الكلام فيها مجاني، أما الإدارة فتحتاج أفعالا وغالبا تزعج. والسياسة تفتح أبواب الشهرة، أما الإدارة فتغلقها في وجه الكسالى. لذلك اختار المعظم الطريق الأسهل، وتركوا الأصعب لمن لا يزال يؤمن أن التغيير يبدأ من داخل المؤسسات، لا من مقاعد التحليل.

فهل نلومهم؟ أبداً. فالحديث عن السياسة لا يُكلف سوى «بوست» وحفنة تعليقات، بينما من يكتب عن الإدارة بصدق، كمن يبحث عن ساعة الالتزام لإنهاء معاملة في دائرة خدمية بعد العاشرة صباحاً… يعرف أنها لن تدق، لكنه ينتظرها بإيمان ساذج بأن المعجزة قد تأتي بعد شرب ثاني فنجان قهوة للموظف أو المسؤول فهو يدعي أنها «تصحصحه»، وما قبل ذلك ساعات بصمة دخول علقت على باب المؤسسة ألزمت الموظف للوصول باكرا لكنها لا تلزمه بمباشرة العمل.

مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ