أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات دين بنوك وشركات خليجيات مغاربيات ثقافة رياضة اخبار خفيفة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

أبو زيد يكتب: التعليم في فضاء رقمي.. تحولات المستقبل تبدأ من المعلم


زيد أبو زيد
أمين سر المكتب السياسي لحزب مسار

أبو زيد يكتب: التعليم في فضاء رقمي.. تحولات المستقبل تبدأ من المعلم

زيد أبو زيد
زيد أبو زيد
أمين سر المكتب السياسي لحزب مسار
مدار الساعة ـ

لقد سيطر الفضاء الرقمي على حياتنا بأكملها، ومن الطبيعي أن يكون التعليم — الأكاديمي والتقني — في مقدمة المتأثرين به، بل وأن يصبح ساحته الواسعة. فالعالم قد تغيّر فعلاً، وهذه حقيقة يدركها كل من يتأمل طبيعة التحولات في الاقتصاد العالمي وطرق التعليم وأساليبه، وحتى في سيكولوجية البشر وثقافاتهم وعاداتهم وإعلامهم.

صحيح أن التغيير عبر التاريخ لم يكن يحدث فجأة، بل تدريجيًا، غير أن الأزمات الكبرى — كالحروب والأوبئة — كثيرًا ما سرّعت وتيرة التحول. واليوم، بفعل التطور التكنولوجي المتسارع، أصبحت التغييرات أكثر وضوحًا وأقصر زمنًا من أي وقت مضى، ويُعد التعليم نموذجًا حيًا لذلك.

ولا أقصد هنا نموذج التعليم عن بُعد فحسب، بل منظومةً أوسع تشمل أنماط السلوك وطرائق التدريس، وثقافة المدرسة والأسرة، وبرامج التدريب، وخصائص المعلمين والمتعلمين، وكل ما يتصل بالعملية التربوية.

لقد كشفت جائحة كورونا (كوفيد-19) عام 2019 هشاشة الأنظمة في مختلف المجالات: الصحية، والتعليمية، والغذائية، والدوائية، وحتى في وسائل النقل والسفر. لكنها في الوقت ذاته شكّلت نقطة انطلاق لتسارع التطور في كل هذه الميادين. ورغم أن البديل لم يكن جاهزًا تمامًا، فإن النهاية في نقطةٍ ما كانت بدايةً لتحول جديد.

لقد عملت مسرّعات التطور بفعل الجائحة على إعادة تشكيل أساليب الحياة وسلوك الأفراد، وأثّرت بعمق في أنماط الاقتصاد والتعليم، حتى أصبح النظام التربوي أكثر استعدادًا للتجديد والتكيّف مع الواقع الرقمي الجديد.

وفي خضم هذا التطور، تبقى الحقيقة التربوية ثابتة: الطالب هو محور العملية التعليمية، والمعلم هو ركيزتها الأساسية. فلا نظام تعليمي ينجح دون معلم مدرّب وواعٍ لدوره. ومع التحول نحو العولمة والاتصال السريع، ونتائج تجربة التعليم عن بُعد، تزايدت الحاجة إلى معلم يمتلك مهارة “التعلم مدى الحياة”، ليكون منتجًا للمعرفة ومطورًا لممارساته باستمرار، فيتحول من ناقل للمعلومة إلى قائد للتفكير والإبداع.

ومع عودة العالم إلى التعليم الوجاهي بعد الجائحة، فإن العودة ليست كما كانت؛ فالنظام التربوي تطوّر وتكيّف. أصبح التعليم أكثر مرونة وفاعلية، يجمع بين التعليم التقليدي والإلكتروني في توازن ذكي، يتسع فيه دور المعلم ليشمل التوجيه والإشراف داخل الصف وخارجه، عبر وسائل جديدة تعزز التفكير والبحث والنشاط الإثرائي لدى الطلبة.

إن تطبيق مبدأ “التعلم مدى الحياة للمعلمين” يشكّل تحولًا نوعيًا يعيد الاعتبار لمهنة التعليم، ويجعل المدرسة الرقمية شريكًا للمدرسة التقليدية في بناء عقل الإنسان الجديد، ويمنح المعلم مكانة قيادية في المجتمع. فالمعلم اليوم ليس موجهًا فقط، بل صانع وعيٍ ومهندس تغييرٍ حقيقي.

ولأن التربية هي القادرة على تغيير المجتمع نحو الأفضل، فإن بناء عالمٍ جديد يحتاج إلى إنسانٍ جديد، ولن يتحقق ذلك إلا عبر التربية الواعية والمعلم المتمكن المؤمن بدوره. فليس هناك إصلاح سياسي أو اقتصادي حقيقي يسبق ثورة تربوية شاملة. ومعلم الغد هو القائد الذي يؤمن بحرية الفرد والمجتمع، ويقود التغيير بعقلٍ منفتح، لا بعاداتٍ جامدة أو أفكارٍ ماضوية.

إن من أهم أدوات مواجهة تحديات المستقبل هو تبنّي شعار التربية المستدامة، التي تجعل من الإنسان متعلمًا مدى الحياة، وقادرًا على التعلم الذاتي باستخدام التقنيات الحديثة. فالتعليم عن بعد والتعليم المتمازج لم يعودا رفاهية، بل ضرورة تمكّن كل فرد من التعلم وفق طاقاته وبالسرعة التي تناسبه، بما يضمن كفاءة التعليم وفاعليته في عالمٍ رقمي متجدد.

إن التعليم في الفضاء الرقمي لم يعد خيارًا بل قدرًا، ومن يتخلف عن ركب المعرفة الرقمية سيتحول إلى متفرجٍ على مشهد التغيير لا صانعٍ له. فالمعلم اليوم هو نجم هذا الفضاء الجديد، وصوته يجب أن يبقى عاليًا ليقود الأجيال نحو غدٍ أكثر انسانية.

مدار الساعة ـ