المواطن هو جوهر عملية تحديث القطاع العام ومحور اهتمامها فهو الحكم على جودة الخدمات التي تقدمها الوزرات والمؤسسات الرسمية والمؤسسات الاهلية على حد سواء، ونشير هنا الى المواطن بصفته الطبيعية وشخصيته الاعتبارية باعتباره المستفيد المباشر من مخرجات الإدارة العامة ومقياس نجاحها. ولما كانت امانة عمان الكبرى مؤسسة أهلية تقدم خدماتها الى المواطن والمستثمر في مدينة تعد من الأسرع نموا في العالم ويقطنها ما يقارب خمسة ملايين نسمة، فلا يمكن تصور إتمام هذا التحديث دون شمول الأمانة والبلديات بمفهومها وهي الملاحظة التي طرحت على البرنامج التنفيذ الأول لخريطة تحديث القطاع العام.
لقد بذلت أمانة عمان جهود حثيثة ومشكورة خلال السنوات الماضية في رقمنة الخدمات وتجويد مستوى اداء الخدمات وتحسين التشريعات الناظمة لعملها، غير أن شكوى المستثمرين من بطء الإجراءات في البلديات وامانة عمان ما تزال حاضرة ومستمرة فمستوى التوقعات من سرعة وجودة الخدمات الالكترونية اليوم أكثر مما هو قائم خصوصا في ظل بيئة الاستثمارية تتسم بالديناميكية التغيير المتسارع مما يتطلب استجابة اكثر سرعة ومرونة من الجهات المعنية.والحق ان امانة عمان أدركت هذا البعد فبادرت الى تعديل نظام الموارد البشرية لديها ليتوافق مع المبادئ الإصلاحية التي وردت في نظام إدارة الموارد البشرية في القطاع العام، واودعت نظامها لدى ديوان التشريع والرأي لاستكمال الضوابط القانونية، وهو ما يستلزم وعلى التوازي تعديل نظام الموارد البشرية في البلديات لتتكامل الجهود في الاتجاه ذاته.ان شمول البلديات والأمانة ضمن مكونات البرنامج التنفيذي الثاني لخريطة تحديث القطاع العام والمقرر بدء تطبيقه مع مطلع العام 2026 يعد ضرورة لا تكتمل حلقات التحديث الإداري من دونه ويشمل ذلك الاجراءات والرقمنة، الحوكمة، رسم السياسات وصنع القرار، الموارد البشرية، التشريعات والثقافة المؤسسية بالإضافة لوضع أطر زمنية محددة لقياس اثر الإنجاز (Performance Impact Framework) وهذا يتطلب تعزيز مبدأ المساءلة والشفافية وإلزام البلديات بنشر تقارير الأداء الإدارية والمالية بشكل دوري الانتقال من موقع رد الفعل إلى موقع الريادة في الفعل وتحقيق نتائج ملموسة تعزز جودة الحياة والخدمات المقدمة.وفي ظل ارتفاع مديونية الأمانة والبلديات يصبح قياس كفاءة الانفاق متطلبا رئيسا لتعزيز الثقة مع متلقي الخدمة ويشمل ذلك الاستخدام الأمثل للموارد البشرية والمالية، والإدارة الرشيدة للأصول والمرافق وقياس اثر تطوير السياسات و التشريعات، ومن الأنسب ان تبادر الأمانة والبلديات الى انشاء دائرة متخصصة بكفاءة الانفاق تعنى بتحسين الممارسات المؤسسية ورصد فرص التحسين مما يحقق الاستدامة في كفاءة الانفاق.وفي رأيي إضافة الى ما ذكر أعلاه فان تحديث البلديات وامانة عمان لا يقتصر على البعد الإداري فحسب، بل يمتد ليشكل رافعة اقتصادية تدعم بيئة الاستثمار المحلي والاجنبي، فكل دقيقة يمكن اختصارها في دورة المعاملة تمثل قيمة مضافة في تحسين تنافسية الاقتصاد الوطني لتتحول هذه المؤسسات الاهلية الى شريك اقتصادي في التنمية عبر تبسيط الإجراءات وإعادة هندستها الامر الذي يسهم بشكل مباشر في خفض كلفة ممارسة الاعمال.ولا يمكن ان يكتمل مسار التحديث دون ترسيخ مبدأ الشراكة مع القطاع الخاص والمجتمع المحلي، ومن الواضح ان القطاع الخاص قد بادر بالفعل بتقديم حلول في مجالات الطاقة المتجددة وإدارة النفايات والبنية التحتية والنقل العام والاقتصاد الأخضر والمدن الذكية وتراخيص الأبنية وتبقى الكرة الان في ملعب البلديات والأمانة لالتقاط المزيد من هذه الفرص وتوجيهها نحو أولويات المواطن الفعلية والاولويات الوطنية بخلق التنمية المستدامة.ولا يقل البعد الثقافي أهمية عن البنية التنظيمية، فالتحديث يحتاج الى ثقافة مؤسسية تقوم على القيم المتمثلة بالخدمة العامة والمساءلة والابتكار والانتقال بالموظف البلدي من مجرد منفذ الى مثل لمؤسسته امام المواطن.ويجب ان نتذكر دوما ان التحول الرقمي ليس غاية بحد ذاته بل هو وسيلة للانتقال الى المدينة الذكية التي تتخذ قراراتها استنادا الى البيانات وتحليل مؤشرات الأداء، فالانتقال الى الإدارة الحضرية الحديثة يتطلب توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة وتوظيف ذلك في مراقبة وإدارة العمليات كالسير وإدارة النفايات وتخطيط المرافق العامة لتحقيق مدن اكثر كفاءة واستدامة وجودة في الحياة.أمانة عمان والبلديات.. نحو شراكة في التنمية والتحديث الإداري
مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ