أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة الموقف جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين رياضة اخبار خفيفة ثقافة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

العايش تكتب: حين غنّى الجيل بين الفنّ والضجيج… وضاع المعنى


رندا سليمان العايش
باحثة تربوية ومديرة مركز الريان للترجمة وخدمات البحث

العايش تكتب: حين غنّى الجيل بين الفنّ والضجيج… وضاع المعنى

رندا سليمان العايش
رندا سليمان العايش
باحثة تربوية ومديرة مركز الريان للترجمة وخدمات البحث
مدار الساعة ـ

في زمنٍ تتبدّل فيه الذائقة كما تتبدّل نغمات الهواتف، أصبحت الأغنية الحديثة مرآةً لمرحلةٍ مضطربةٍ من عمر المجتمعات. أغنيات تتصدّر المنصّات بسرعة البرق، لكنها تختفي بالسرعة ذاتها، وكأنها ومضة عابرة في ذاكرةٍ مزدحمة.

هي أغاني الشباب الجديدة التي ملأت الفضاءات الرقمية، وحوّلت السماع إلى عادةٍ يومية، لكنّها — في كثير من الأحيان — حملت في طيّاتها ملامح أزمة ثقافية صامتة.

لم تعد الأغنية اليوم كما كانت بالأمس؛ رسالةً تحمل المعنى، وتغذّي الوجدان، وتبني الذوق العام. بل غدت — عند بعضهم — مزيجًا من إيقاعاتٍ سريعة وكلماتٍ متكسّرة، تتراقص على حافة الجدل، وتغازل الغرائز أكثر مما تخاطب العقول.

فكم من أغنيةٍ انتشرت، لا لأنها جميلة، بل لأنها جريئة أو خارجة عن المألوف!

إنّ أخطر ما في هذه الظاهرة أن الكلمة فقدت هيبتها.

فما يُردّده الشباب اليوم على ألسنتهم من عباراتٍ وألفاظٍ دخيلة، يترك أثره العميق على سلوكهم ونظرتهم للحياة. فالأغنية ليست مجرد ترفٍ صوتي، بل هي أداة تشكيلٍ للوعي، تبني أو تهدم، ترفع أو تُسقط.

ولذلك كان الشعراء قديمًا يقولون: “الشعر ديوان العرب”، أما اليوم فقد صار “الغناء ديوان الأجيال الجديدة” — لكنه ديوان يكتب أحيانًا بلا معنى ولا مسؤولية.

وليس المقصود أن نُدين الغناء المعاصر كله؛ فبين ركام الضجيج هناك أعمال فنية نبيلة تعبّر عن نبض الشباب، وتواكب واقعهم بصدقٍ وإبداع. لكنّ الخطر يكمن في تصدّر التفاهة للمشهد، وفي أن يصبح الذوق العام أسيرًا لإيقاعٍ فارغٍ من المضمون.

إنّ المجتمع الذي يعتاد الغناء الخالي من القيمة، يعتاد أيضًا السطحية في التفكير. فالكلمة التي لا تُغنّى بصدق، لا يمكن أن تُزرع في الوعي. ومن هنا تأتي الحاجة إلى تربيةٍ جماليةٍ جديدة، تُعيد الاعتبار للكلمة الهادفة، وتُعلّم الأجيال كيف يفرّقون بين الفنّ والضجيج.

لقد آن الأوان لأن نتعامل مع الأغنية كما نتعامل مع الكتاب والمدرسة والإعلام، فهي جزء من تربية الوجدان الوطني، لا تُترك للمصادفة ولا لمؤثري المنصّات.

فالفنّ حين يبتعد عن القيمة، يبتعد معه الوعي، وتفقد الأمة نغمتها الأصيلة.

ولعلّ رسالتنا اليوم أن نُعيد للأغنية الأردنية والعربية دورها التربوي والإنساني، لتكون كما كانت: كلمة تزرع أملاً، ولحنًا يصنع وعياً.

مدار الساعة ـ