مع خيوط الصباح الأولى التي لامست أغصان الزيتون في جرش، بدأت الحكاية من جديد…
هناك، بين الحقول التي حفظت ذاكرة الجدّات وعرق الآباء، علت أصوات الأهازيج والعونة، مرددةً كلماتٍ من عمق التراث:“عالدار يا عونة… عالعون يا بنات، نلمّ الزيتون بإيدينا الكادحات.”تراقصت الأغصان على نغم المجوز، واختلطت أنغامه بضحكات الفلاحين، لتكتمل لوحة الحياة والانتماء على أرض جرش.وفي تلك اللحظات التي تعبق بالهوية، انضم طلبة المدارس والجامعات إلى المشهد، يحملون السلال وأعلام الوطن، يسيرون بخطوات مفعمة بالحماس نحو ذاكرة الأجداد.وسط الحقول، يردد الطلبة الأغاني التراثية مع المهندسين والفلاحين والعمال، لتتحد الأصوات وتتراقص معها القلوب على إيقاع الأرض والتاريخ. كان المشهد أشبه بلوحة نابضة بالحياة؛ جيل يعانق الماضي بحب الأرض، وجيل يستعيد من التراث عبق العونة وروح التعاون.عدنا في هذا اليوم إلى الأجداد… إلى مواسمهم التي كانت تبدأ بنداء العونة وتنتهي برائحة الخبز الممزوج بزيت تعبهم وكرمهم.وبين تلك اللحظات، كانت مواقد الحطب تشتعل على أطراف المزارع، تفوح منها رائحة قلاية البندورة وخبز الشراك، فيما تعلو الزغاريد وتدور الدبكات الجرشية على وقع اليرغول والمجوز، لتكتمل لوحة الفرح الريفي الذي يعانق الحاضر بالماضي.كان يوم القطاف أكثر من فعالية، بل عرس جرشيّ للتراث والانتماء، حمل رسالته الطلبة والفلاحون والمهندسون والعمال، ليؤكدوا معًا أن الأرض باقية ما بقي فينا حبها، وأن الزيتون سيظل الشاهد الأبقى على أن جرش تحصد المجد كما تحصد الزيتون.ومع انتهاء اليوم، بدا واضحًا أن كل تفصيلة في الحفل لم تأتِ صدفة. من ترتيب السلال وتنظيم صفوف الطلبة، إلى تنسيق فرق الفلاحين والمهندسين والعمال، كان الإبداع حاضرًا في كل زاوية، حيث عمل فريق مديرية زراعة جرش كأنهم نسّاجون للفرح، ينسجون بأيديهم لوحةً متناغمة من الانتماء والهوية.كانت الأصوات تتعانق مع الألوان، والمشهد ينبض بالحياة كما لو أن الأرض نفسها تشكر القائمين على ترتيبها وتنسيق فعالياتها. كل خطوة، وكل زاوية، وكل لحظة مرت هنا، حملت بصمة اهتمام وعناية جعلت من يوم القطاف ليس مجرد احتفال، بل تجربة حية للتراث، والانتماء، وروح الجماعة الأردنية.في النهاية، غادر الحاضرون المكان حاملين معهم ذكريات مشحونة بالفخر، وإيمانًا بأن التنظيم والإبداع في خدمة الأرض والناس، هو ما يجعل من يوم القطاف في جرش مناسبةً تُحفر في الذاكرة… درسًا في الحب للأرض، والفخر بالهوية، والاحتفاء بالتراث بطريقة متقنة ومُلهمة ..العوضات يكتب: الأهازيج والعونة يحلقان من جديد في سماء جرش بيوم القطاف الوطني
مدار الساعة ـ