أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين رياضة اخبار خفيفة ثقافة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

العتوم يكتب: عقولنا ترى السلبيات ولا ترى الإيجابيات.. دعوة لإعادة التوازن في نظرتنا للحياة


ا.د. عدنان العتوم

العتوم يكتب: عقولنا ترى السلبيات ولا ترى الإيجابيات.. دعوة لإعادة التوازن في نظرتنا للحياة

مدار الساعة ـ

نميل في حياتنا اليومية إلى رؤية النقص أكثر من الكمال، والعيوب أكثر من الجمال، والكذب أكثر من الصدق. ننتقد الاخرين من الاسرة والزملاء والأصدقاء وحتى المسؤولين حين يخطئون، ولا نشكرهم او نقدرهم حين يتصرفون بإيجابية تامة. هذه النزعة الإنسانية ليست مجرد عادة أو نمط في الشخصية فحسب، بل ترتبط بآلية ذهنية معروفة في علم النفس تُسمّى التحيّز السلبي، وهي ميل العقل البشري لتضخيم السلبيات والتقليل من قيمة الإيجابيات. حيث يشير علماء النفس إلى أن الدماغ مهيأ منذ القدم للتركيز على الأخطار والمهددات أكثر من مصادر المتعة والأمان، لان ذلك مرتبط في تحقيق البقاء والاستمرار. لكن يبدو أن هذا النمط من التفكير، الذي كان نافعًا في العصور القديمة، أصبح سمة مسيطرة على عقولنا وفي حياتنا المعاصرة ومصدرًا للتوتر والتشاؤم مع تغيرات العصر.

وفي بيوتنا، كثيرًا ما نُركز على الأخطاء الصغيرة ونغفل عن الإنجازات والسلوكيات الايجابية اليومية في تعاملنا نع الأطفال وحتى مع الكبار. فالأب لا يتذكر ابنه الا عندما يقوم بسلوك غير مقبول فيشتمه أو يعاقبه او يلومه على ذلك. ولكن لو راقبت سلوكه خلال يوم واحد فقط لوجدت الكثير من السلوكيات الإيجابية التي تمر دون ملاحظة او تعزيز. ويمكن القياس على ذلك عند تعاملنا مع الاخوة او الوالدين او الأزواج فان عقولنا تتوقف عند السلبيات أكثر من الايجابيات مع ان عدد الإيجابيات هي اكثر بكثير من السلبيات، ونحن في النهاية بشر نصيب ونخطئ.

اما في مجال الإدارة والعمل، فتجد بعض الإدارات تتصيد الأخطاء المقصودة وغير المقصودة وتعاقب عليها فورا ناسية تاريخا طويلا من الإنجاز والانتماء الصادق. فالقيادة الإيجابية لا تقوم على تتبّع الأخطاء، بل على بناء بيئة يشعر فيها الأفراد بالتقدير والاحترام. والقائد الذي يرى إنجازات موظفيه ويعبّر عنها بصدق، يزرع الانتماء ويضاعف الإنتاجية ويقلل الأخطاء والتقصير في العمل. اما المدير الذي لا يرى إلا التقصير، فإنه يطفئ الحماس ويغرس الخوف بدل الدافعية.

ومن أبرز مظاهر رؤيتنا للسلبيات أننا لا نرى نعم الله الكثيرة علينا ولا نتذكرها الا عند المرض او المصائب كموت عزيز او فقدان الوظيفة وغيرها. معظمنا يستيقظ صباحًا قادرين على الحركة والتنفس وسلامة الحواس وتناول الطعام بحرية، ومع ذلك ننسى أن نقول الحمد لله على هذه النعم. وحين يبتلينا الله بمرض عابر، نغرق في الشكوى والضيق، وكأننا لم ننعم سنوات طويلة بالعافية.

وتشير دراسات علم النفس الإيجابي , والعصبي إلى أن الشكر والامتنان لله تعالى أولا، ومن ثم للأخرين من حولنا، يرفعان مستوى الرضا والسعادة، ويقويان جهاز المناعة ويخففان التوتر. وأن التعبير عن الامتنان ينشّط مناطق في الدماغ مسؤولة عن المكافأة والمتعة مثل النواة المتكئة في مقدمة الدماع والقشرة الدماغية وهذه المناطق تُفرز الدوبامين والسيروتونين، وهما ناقلان عصبيان مرتبطان بالسعادة والرضا. وان الامتنان يزيد من إفراز الأوكسيتوسين وهو هرمون “الدفء الاجتماعي” الذي يعزز الترابط والثقة بين الناس.

كما ان رؤية الإيجابيات لا تعني تجاهل الأخطاء وعدم المسألة، بل الموازنة بين النقد والتقدير والعقاب والثواب لأنها مهارة يمكن تعلمها بتدريب العقل على الامتنان، والملاحظة الإيجابية، وتشجيع الذات والآخرين. وقد لا نستطيع أن نغير الظروف من حولنا، لكن نظرتنا إليها قادرة على أن تغيّر شعورنا وسلوكنا. وحين نرى النور في التفاصيل الصغيرة، ونشكر الله على ما نملك، سنكتشف أن الخير موجود أكثر مما نظن، وأن السعادة ليست في غياب النقص، بل في حضور الامتنان، وكما يقال ان المتعة الحقيقة في العطاء لا في المكتسبات.

مدار الساعة ـ